من وراء السواد يتدلى الغصن الأخضر

 

غالية عيسى

ربما يكون ليس من المنطقي أن تبحث عن بقعةٍ خصبة لتغرس فيها بذورك على أرضٍ غزاها الجفاف وأرَّقها اليباس، كما أنه ليس من المنطقي أن تتحدث عن الإيجابية وعن الوجه المضيء في اللوحة المعتمة التي تشكلت أمام أعيننا بفعل الانتهاكات الإنسانية التي يمارسها صهاينة الاحتلال أعداء الحياة ضد شعبنا الفلسطيني الشقيق في هذه المرحلة الصعبة من حياتنا جميعًا..

لكنني أبحث دائمًا عن الجزء المفقود في الصورة وأنظر إلى ما وراء السواد، إلى تلك المنطقة حالكة الظُلَمة والتي يتدلى من باطنها الغصن الأخضر؛ لذلك أقول إن الحرب على غزة اليوم أعادت تجميع أوراق القضية الفلسطينية  في ملفٍ واحد حتى بات العالم كله مطلعًا عليها مُدركًا لتفاصيلها، واعيًا لمدى وحشيتها، بعد أن حاول الاحتلال الصهيوأمريكي على مدى سنوات طويلة تهميشها  وغض أبصار العالم عنها كقضية ضاربة في عمق التاريخ العربي.

اليوم.. أصبحت أجيالنا تردد اسم فلسطين وتعي قضيتها  بعد أن نجحت تكنولوجيا الآيباد في الاستحواذ على عوالمهم الإدراكية حتى أنهم  يعيشون في معزل عن واقعهم  وتاريخهم وقضاياهم المحلية والعربية، اليوم أصبح التلاميذ في مدارسنا يرسمون علم فلسطين بألوانهِ الصامدة في كراساتهم الصغيرة بحبٍ واهتمام ويرددون عبارات التنديد بالاحتلال كعدوٍ مشتركٍ بينهم.

يوميات الحرب على غزة  هي انكسار إنساني كبير نعيشه جميعًا في الشرق والغرب، بمختلف أعراقنا ودياناتنا، نتوحد إنسانيًا؛ لأن الظلم لا صوت لهُ إلا عند من فقدوا إنسانيتهم وضمائرهم، اليوم يتوحد الإنسانيون من مختلف القارات في حب فلسطين: اسمها، علمها، تراثها، تاريخها، حاضرها، والدعاء لمستقبلها بصوت المحبة التي تؤلف بين القلوب السليمة والعقول الحكيمة.

كل ذلك الالتفاف العظيم حول القضية الفلسطينية هو من يمثل الغصن الأخضر الذي يتدلى من وراء سواد الحرب وأنين الفقد وبؤس الحال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني العظيم والذي سيتجاوزه قريبًا عاجلًا بعد أن يكون قد قدم للعالم دروسًا كبيرة  في الإباء والصمود والإيمان بحتمية الانتصار وإن كانت تقابلها رقدة الموت وسمو الارتقاء إلى أعلى مواطن البقاء والخلود في جناتٍ عالية.

وعلى الرغم من أن فلسطين جرح الإنسانية ووجع الشعوب العربية إلا أنها ستبقى أرض الأحرار وصوت الحرية، تلك الشجرة المثمرة التي تتشبث جذورها بثبات في أعماق الأرض وحين تتعب من شدة العطش لا تسقط أوراقها؛ بل ترتقي إلى السماء على هيئة شهداء يرحلون وتبقى غصونهم الخضراء متدلية؛ لتثمر من جديد وتحصد الحب والانتصار إلى ما لا نهاية.

تعليق عبر الفيس بوك