المقاطعة.. ثقافة شعب

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

المقاطعة هي ثقافة حضارية، تلتزم بها الشعوب الواعية والمتحضرة في العالم، والهدف منها محاربة الجشع والطمع والظلم والاستبداد، وهي في حد ذاتها سلوك رقابي، يعتمد على التضامن الشعبي الواسع، الذي من خلاله تخضع الشركات التجارية في كثير من الأحيان للاعتذار الرسمي للمستهلكين، ومراجعة سياساتها التجارية، والعودة إلى الأسعار الاقتصادية، التي تتناسب مع المجتمع ورغباته.

ومن أجل نجاح المقاطعة لا بُدَّ من الاعتماد على الفرد ووعيه وإدراكه والتزامه، وذلك يساعد على إصلاح الأوضاع التجارية والاقتصادية للأمة العربية والإسلامية، وتستطيع الأمة بحملات المقاطعة السلمية توجيه غضبها لأعدائها، لحل الكثير من المشاكل العالقة، ورفع صوت الإخاء والتعاون والتآزر، فكم نحن بحاجة ماسة لترسيخ ثقافة المقاطعة في بلادنا العربية والإسلامية، لمحاربة الارتفاع الفاحش لأسعار السلع المعروضة في الأسواق المختلفة والتي اتعبت وأثقلت كاهل المستهلك العربي.

اليوم هناك أمثلة واقعية حول أهمية المقاطعة الفاعلة والناجحة والمثمرة للمجتمع، والتي يجب الاستفادة منها، ومن خلالها يتم تأديب تجار الجشع والطمع ورجال الأعمال، وشركاتهم العملاقة والصغيرة، وبدون أي ضجيج يذكر، وإرغامهم على احترام المستهلكين في الداخل الاجتماعي، ولنا في الأرجنتين خير مثال، فقد تواطأ التجار على رفع أسعار البيض، مما جعل الشعب الأرجنتيني يطلق حملة شعبية واسعة لمقاطعة البيض، ولم يتخلف أحد من المشاركة في تلك الحملة، واستطاع الشعب الأرجنتيني بحكمته وتآزره وتعاونه إجبار التجار على تخفيض سعر البيض إلى ربع السعر السابق والاعتذار الرسمي للشعب الأرجنتيني.

هكذا لا بُد أن تكون المقاطعة الاقتصادية ثقافة مجتمعية يهتم بها الجميع، فهي ليست موجهة ضد غلاء الأسعار فحسب؛ بل يجب أن تكون وسيلة فعّالة لمحاربة الفساد المجتمعي بأشكاله ووسائله وعناوينه المختلفة؛ فالمقاطعة تعد الحل الأفضل والأجدر والذي لا ينبغي التفريط به؛ بل يجب توجيهه للشركات العالمية التي تستهدف تمويل الظلم والفساد في العالم، كالشركات الداعمة للمثليين واليهود الذين يستغلون الأرباح من أجل قتل الأرواح البريئة في فلسطين الإباء والعزة والصمود، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، وقال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا".

كما إننا بحاجة ماسة إلى مقاطعة الشركات التجارية الفاسدة التي أثقلت كاهل المواطن العربي، كذلك نحن بحاجة ماسة إلى مقاطعة بعض وسائل الإعلام التي تنشر الميوعة والفساد الأخلاقي، وتسعى لتجهيل المجتمع، وجعله مجتمعا لا يعرف من دنياه إلّا حب الأكل والشرب والموضة وصيحاتها، وإبعاد الإنسان العربي عن الهموم الاجتماعية والأسرية، التي هو أولى بالانشغال بها.

المجتمع الذي تغيب فيه ثقافة المقاطعة، من السهل اختراقه وانتشار الفساد بين زواياه، وذلك لعدم اهتمام أفراده بأهمية معاقبة التجار ورجال الأعمال الفاسدين والمفسدين بالطرق السلمية المتاحة، وإيقاف جشعهم وطمعهم، حتى لا يتسلطوا على جيوب المواطنين، ويفسدوا بذلك دينهم ودنياهم. ولكن يا ترى هل سيبقى الإنسان العربي صامتا عن الدفاع عن حقوقه المسلوبة؟ أم حان الوقت ليبدي موقفه واستنكاره وشجبه لغلاء الأسعار واستغلال أرباح السلع والبضائع في نصرة الظلم والظالمين؟ متى سيتحد الجميع تحت شعار واحد وهو "انتهى وقت الجهل.. لا مكان للفساد بيننا".

إنَّ الأوطان العربية والإسلامية تقع على عاتقها مسؤولية دينية واجتماعية ووطنية تحتم عليها العمل الجاد لتطهير المجتمع من جراثيم الفساد والمفسدين، الذين لا همَّ لهم سوى جمع المال بأي شكل من الأشكال من أجل تحقيق أجندتهم وسياساتهم الظالمة، وهذا حتمًا لا يكون إلا بتفعيل حملات المقاطعة الشاملة مثل المقاطعة الاقتصادية للبضائع القادمة من الشركات والمحلات الداعمة للحروب وسفك دما الأبرياء، والتي تعتبر مقاطعتها من أهم الأساليب النموذجية التي تتم من خلالها المواجهة المشروعة ضد الاحتلال الغاشم لتنال بذلك الشعوب حريتها المطلوبة واستقلالها واستقرارها بعيدا عن الظلم والفساد الاجتماعي.

أخيرًا.. لا بُد من تفعيل حملات المقاطعة بهدف أضعاف اقتصاد المفسدين واستبدال المنتجات الأخرى بدعم المنتج الوطني، وعلى الشركات الوطنية الترويج الجاد لمنتجاتها والاعلان عن الأسعار التنافسية، حتى يستطيع المواطن العربي تفعيل حملات المقاطعة والاعتماد على المنتج الوطني، وليكن شعار الوطن العربي الأول والأخير المنتج الوطني اختيارنا الأول.