أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
لعل أشهر ما تعرف به شجرة الزيتون هو الزيت الذي يستخرج من ثمارها، فهذا الزيت يتميز عن غيره من الزيوت بفوائد نادرة لا تتواجد في الزيوت الأخرى.
إذ تصنف الزيوت بصورة عامة إلى أصناف ثلاث، يعرف الأول بالزيوت المُشبَّعةِ والتي تتميز بثباتها الكيميائي، إلا أن الإكثار منها يؤدي إلى انسداد الشرايين وإلى أمراض القلب المختلفة ولهذا ينصح أطباء القلب والشرايين بالتقليل منها بل واستبدالها بالنوع الآخر من الزيوت وهي الزيوت غير المشبعة.
وتقسم الزيوت غير المشبعة إلى صنفين، زيوت غير مشبعة أحادية وزيوت غير مشبعة متعددة، وعلى عكس الزيوت المشبعة إذ لهما فوائد صحية جمَّة بل إن هناك تقارير علمية تفيد بأن لهما أثر إيجابي على عضلة القلب وعلى الشرايين ولكن لا ينصح بالإكثار منهما لأن الزيوت عموما تحتوي على طاقة عالية.
وزيت الزيتون من الزيوت النادرة التي تحتوي على نسبة تصل إلى أكثر من 70% من الزيوت غير المشبعة الأحادية، ولذا يعد من أكثر الزيوت الصحية في العالم، إضافة إلى ذلك فإن زيت الزيتون يحتوي على مضادات أكسدة مميزة، فهناك الكثير من الدراسات التي تشير إلى أن مضادات الأكسدة المتواجدة في زيت الزيتون تتمير بخواص مقاومة لأمراض القلب والسرطان بالإضافة إلى أنها مضادة للالتهابات.
وتعد شجرة الزيتون من أقدم النباتات التي عرفتها البشرية، ولها صلة قوية بتاريخ أغلب الحضارات، فنجدها حاضرة في أولى الحضارات البشرية كالحضارة الآشورية والمصرية واليونانية، ويعتقد أن الفينيقيين الذين استوطنوا لبنان وأجزاء من فلسطين وسوريا كانوا أول من نشر ثقافة زراعة الزيتون في عام 4000 قبل الميلاد، ويبدو أنهم من نشروا زراعة الزيتون في جزيرة كريت في اليونان وجزر بحر إيجة وإيطاليا.
ولشجرة الزيتون قيمة كبيرة عند مختلف الديانات؛ فالأسطورة اليونانية تشير إلى أنها من هبات الآلهة وإنما سميت أثينا بهذا الاسم نسبة إلى الإله الذي وهب لشعبها أشجار الزيتون، كما أن لها مكانة خاصة عند اليهود والمسيحيين؛ فالكنيسة الكاثوليكية تستخدمه على نطاق واسع في طقوسها، وعندنا نحن المسلمين مكانة خاصة لها؛ فالمعروف بأنها الشجرة المباركة والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم، واليوم تعد أغصان شجرة الزيتون رمزًا للسلام في العالم أجمع، ومن هنا فإن علم الأمم المتحدة والذي يضم خريطة الأرض مُحاطة بأغصان من شجرة الزيتون، وربما تلك رسالة موجهة من الأمم المتحدة إلى سكان الأرض بأنها تسعى لنشر السلام في العالم أجمع.
وعلى الرغم من أن كل من إسبانيا وإيطاليا واليونان ينتجون 97% من زيت الزيتون في العالم حالياً، إلّا أن هذه الشجرة المباركة ارتبط تاريخها بأرض فلسطين ارتباطًا وثيقًا؛ إذ يشير عدد من الدراسات أن الإنسان قد زرعها لأول مرة على سواحل فلسطين ولبنان قبل ما يقرب من خمسة آلاف سنة.
وما زالت شجرة الزيتون لها صلة قوية بفلسطين، إذ تعد من أكثر الأشجار انتشارا فيها؛ إذ تشكل الأراضي المزروعة بهذه الشجرة المباركة ما نسبته حوالي 50% من الأراضي الزراعية في فلسطين، ويبلغ معدل انتاج فلسطين من الزيت حوالي 20 ألف طن، كما أن الزيتون يتصدر إنتاج فلسطين إذ يعد المنتج الثاني من صادراتها.
وفي منتصف شهر أكتوبر من كل عام، ومع حلول ساعات الصباح الأولى يبدأ أفراد الأسرة الفلسطينية بالتجمع والتحضير لقطف الزيتون، فهناك علاقة وطيدة وحب متبادل بين هذه الشجرة وبين كل فرد من أفراد هذه الأسر؛ إذ يقومون برعايتها طيلة العام وينتظرون بفارغ الصبر موسم الحصاد ليشارك الكل في هذه المناسبة السعيدة.
لكن موسم حصاد الزيتون هذه السنة ليس موسم فرح وسعادة؛ بل هو موسم كئيب وحزين، تشارك فيه أشجار الزيتون أصحاب الأرض حزنهم وأسفهم على أرضهم وما ألم بهم من ظلم، وتطالب الأمم المتحدة بإزالة أغصان الزيتون التي تلف علمها، فما عاد لتلك الأغصان مكان فيه.
لكن.. وعلى الرغم من كل الجراح التي ألمت وما تزال بهذه الشجرة المباركة، فإنها متمسكة بأرضها، ضاربة بجذورها في أعماق الأرض، فلا يمكن لأحد أن يخرجها من تلك الأرض.
بقي أن نعلم أن أشجار الزيتون من صنف الأشجار التي تبقى أوراقها خضراء طيلة العام، وهكذا هي قضية فلسطين في قلوب الأحرار، خضراء طرية طيلة العام، وستبقى كذلك ما دامت أوراق أشجار الزيتون خضراء.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس