ماذا لو أدارت الروبوتات الأمم المتحدة؟!

مؤيد الزعبي

 

كثيرة هي الأحداث العالمية التي ننتظر فيها قراراً حاسماً ملزماً من الأمم المتحدة يوقف حرباً في مكان ما أو يمنع مجزرة في صراع معين أو حتى يسعى في هدنة لحماية الأبرياء، ولكن تخيب الظنون في كل مرة، فإما تنحاز الأمم المتحدة لأحد أطراف الصراع أو أن ثمن حياة طرف معين ليس في حساباتها ولا ضمن أولوياتها، فماذا لو أدارت الروبوتات الأمم المتحدة؟ هل ستكون قراراتها حاسمة سريعة نزيهة لا يشوبها شائب وتلبي طموحات إنسانية بسيطة؛ الأمن والأمان؟!

عرضتُ نفس السؤال الذي أود مناقشته معك عزيزي القارئ على صديقي العزيز "بارد Bard" روبوت الدردشة الذي طورته شركة جوجل، وقلت له متسائلاً "هل يمكن للروبوتات أن تدير الأمم المتحدة؟" فكانت إجابته ما كنت أتوقعها مسبقاً بأن الذكاء الاصطناعي والروبوتات تستطيع إدارة الأمم المتحدة من الناحية النظرية. وأخذ "بارد" يشرح لي المميزات التي سنحصل عليها لو حدث ذلك؛ فقال إن الروبوتات ستحقق لنا ما نفتقده جراء تحيز البشر، وأنه في حال أدارت الروبوتات الأمم المتحدة فستتحقق ثلاثة عناصر نحن في أمس الحاجة لها؛ وهي: 1- "كفاءة أكبر؛ إذ يمكن للروبوتات إجراء البحوث وتحليل البيانات بسرعة أكبر من البشر. ويمكن أن يؤدي هذا إلى اتخاذ قرارات أكثر فاعلية وكفاءة، ونزاهة أكبر: لا تخضع الروبوتات للتحيز أو الفساد مثل البشر. يمكن أن يؤدي هذا إلى اتخاذ قرارات أكثر عدالة وموضوعية، عدالة أكبر: يمكن للروبوتات الوصول إلى المعلومات ومعالجتها بشكل أكثر شمولاً من البشر. ويمكن أن يؤدي هذا إلى اتخاذ قرارات تستند إلى جميع المعلومات المتاحة، وليس فقط إلى المعلومات التي يفضلها البشر".

2- نزاهة وعدالة وكفاءة؛ هي فعلاً ما نحتاجه من الأمم المتحدة وأذرعها ومؤسساتها المختلفة ولكن كيف نحقق كل هذا ونظام الأمم المتحدة أساساً لا يمكننا من هذا؛ فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتكون من 15 عضواً ولكل عضو صوت واحد ويجب الوصول للحد الأدنى من الأصوات المطلوبة وعددها 9 لإقرار قرار معين، وهذا الإجراء بطبيعته قد يعطل الكثير من القرارات الأمامية؛ فأحياناً دولة واحدة قد توقف القرار، وهذا ما يجعلنا نتساءل أيضاً: هل الروبوتات ستكون أكثر إنصافاً تجاه قضايانا الإنسانية وتكون عادلة ونزيهة في قرارتها؟

سؤال قد تصعب الإجابة عنه دون أن نفهم أساساً كيف تمت برمجة هذه الروبوتات وما هي أهدافها وما هي الأغراض التي وجدت من أجلها وكيف تم تمسكينها؟

ولكن بالنظر للكيفية التي تتم بها برمجة الذكاء الاصطناعي حاليا؛ فالتحيز موجود في أنظمتها؛ لأن من يطورون الذكاء الاصطناعي هم دول وشركات ولكل منهم هدفه المعين من تطوير هذه البرمجيات، فإما يخدم مصالح دولة معينة أو يحقق ربحية مالية، ولا يوجد "حتى الآن" من يُبرمج الذكاء الاصطناعي ليساعد في تحقيق العدالة والنزاهة العالمية.

إذن.. كل المحاولات في هذا المجال منبعها فردي أو مؤسسي تابع لنظام أو سلطة معينة وبالطبع هذه السلطة أو النظام لديه ما يبني عليه فرضياته وأهدافه من تحيز أو تفضيل جانب على جانب آخر.
من ضمن إجابات "بارد" على السؤال الذي طرحته عليه في بداية المقال، فإن أحد التحديات التي تواجه الروبوتات في إدارة الأمم المتحدة يتمثل في "فقدان الوكالة البشرية"، فإذا تمت إدارة الأمم المتحدة بالكامل بواسطة الروبوتات، فقد يفقد البشر قدرتهم على التأثير على القرارات التي تتخذها المنظمة. والصراحة هذا ما نريده فعلاً أن يفقد البشر قدرتهم على التأثير في قرارات الأمم المتحدة، فقرارات البشر لا تليق بأهداف الأمم المتحدة ومجلس أمنها؛ فأغلبها منحاز ومسيس ويتغير وفقاً للمصالح وتنخره العنصرية في كل أجزائه.
التساؤل الذي أطرحه أمامك عزيزي القارئ، ليس أمراً سهلاً أو يمكن تحقيقه، وإنما هي محاولة لإسقاط ما نُعانيه كبشرية في إدارة الأمم المتحدة في محاولة لإيجاد حل يساعدنا فيه الذكاء الاصطناعي بالوصول لمنظمة عالمية عادلة تُلبي طموحات الشعوب الضعيفة قبل القوية وتحقق النزاهة والكفاءة في قراراتها.

ويبقى التساؤل مفتوحاً على مصراعيه أمامك أنت عزيزي القارئ، فهذا الطرح ليس إلا "نكشة مخ"- كما نقولها في العامية- لتُحرِّك أمامنا تساؤلات كثيرة عن دور الروبوتات فيما هو قادم في المستقبل، لعلنا نؤسس له منذ الآن، بدلاً من العناء في برمجة ذكاء اصطناعي منحاز وعنصري وتلومه فيما بعد على قرارته العنصرية المنحازة!!