اطمئن.. أنت في عهد الضيف وأبي عبيدة

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

عُمر قضية فلسطين وبيت المقدس (قضية العرب الأولى) اليوم يناهز عُمر أكبر المُعمِّرين منَّا وعلى مدى كل هذه الفترة الزمنية الطويلة للقضية قد غادرنا الملايين من العرب من هذه الدنيا منهم من قضى نحبه هرمًا ومنهم من قضاه مرضًا على فراشه ومنهم من قضاه بغير ذلك، ولن نقول إنه ليس منَّا من مات أيضًا بالسيف ولم يمت بغيره في سبيل قضيته الأولى قضية فلسطين والقدس، ولكن نقول إن أعدادهم لم تكن بحجم القضية نفسها رغم أننا نحن كعرب ومن يعتبر الشعر ديواننا وقد تداولنا فيما بيننا وتناقلنا على مدى أجيال وأجيال لقرابة ألف عام قصيدة أبي نصر السعدي التميمي الشهيرة:

من لم يمت بالسيف مات بغيره // تعددت الأسباب والموت واحد

فصبرا على ريب الزمان فإنها // لكم خلقت أهواله والشدائد.

قد يكون من سوء أو حسن الطالع (لا أعرف بعد) أن من هو في سني وسن أقراني من العرب جميعنا ولدنا بعد النكبة سنة 1948، أي بعد التهجير والشتات لأبناء فلسطين التاريخية وما رافقه من مجازر ومذابح يشيب من هول بشاعتها الولدان، كما عرفنا بعد ذلك، وأيضا بعد تشكل القضية وذلك بحوالي عقد ونصف من الزمن تقريباً أي جيل ما بعد النكبة وجيل النكسة (1967) ولم نحظ بعدهما إلا بنصر واحد هو نصر 6 أكتوبر 1973، لكن أصبح لنا اليوم نصر آخر هو نصر السابع من أكتوبر 2023، شاء من شاء وأبى من أبى.

نصر 6 أكتوبر 1973 وإن كان نصرًا حقيقيًا، إلّا أنه ظل وحيدًا ينطبق عليه المثل المصري الشائع (يافرحة ما تمت) فلم تكمل فرحتنا كعرب، لأن اتفاقية السلام التي أعقبته زادت من الإمعان في الحد من إطلاق ذراعها (أطول وأقوى أذرعة العرب) في مواجهة إسرائيل ولا شيء غير ذلك رغم كل ما رافقه من بروباجندا إعلامية.

نصر أكتوبر الثاني (7 أكتوبر 2023) بشهادة الإسرائليين أنفسهم لم يشكل هزيمة لهم في العمق فقط؛ بل قضَّ مضاجعهم وشلّ حركتهم بصدمة هي الأولى من نوعها التي تحصل في تاريخهم ولم يفيقوا منها إلى اليوم بعد عشرة أيام من حدوثها وحتى وقت كتابة هذا المقال، ولا يستبعد أن يجعلهم ذلك يتيهون مرة أخرى من جديد لمدة 40 عامًا أخرى، إذا بقوا أصلا فهو لم يخترق فقط غلاف غزة الذي صرف عليه أضعاف ما صرف على خط بارليف ليصعب اختراقه من جديد.

يا سبحان الله.. كما شهدنا بأم أعيننا انهيار خط بارليف والساتر الترابي الهائل تحت قصف 2000 مدفعية مصرية تنطلق في آن واحد تزامنًا مع نخر مئات خراطيم المياه الضاغطة لجبال رماله في يوم 6 أكتوبر قبل 50 عامًا من الآن، يُعيد التاريخ نفسه في 7 أكتوبر لتنهمر 5 آلاف صاروخ على ما يسمى بـ"غلاف غزة" لتشكِّل سحابة لهيب يخترق منها 1500 قسّاميّ الأرض لينتشروا في 50 مستعمرة إسرائيلية في صورة لم تصعق إسرائيل عن بكرة أبيها؛ بل أدهشت العالم فلم تستفق إسرائيل من صدمتها إلى اليوم بعد عشرة أيام ولا العالم من ذهوله أيضا.

اطمئنوا أبناء هذا الجيل من العرب، فبرغم أنكم قد أصبحتم اليوم أكثر من 430 مليون نسمة، اطمئنوا، ليس لعددكم المهول هذا، ولا لعدد دولكم ولا ترساناتها العسكرية التي صدئت في مخازنها. اطمئنوا؛ لأن إسرائيل بأعتى جيوشها وتقنياتها وموسادها وشاباكها وأمريكا والغرب من ورائها لا يعرفون إلى اليوم صورة واضحة لا لمحمد الضيف ولا لأبي عبيدة، وفشلوا فشلا ذريعا ليس في محاولات اغتيالهم؛ بل معرفة أي شيء عنهم حتى إن المقولة الطرائفية الإسرائيليه تقول "إن الزوجة إذا طلبت من زوجها أن تخرج خارج البيت يقول لها اسألي أبا عبيدة إذا كان المكان آمناً"!!

اطمئنوا، علكم تجدون لكم نصرًا ثالثًا جديدًا بعد معادلة النصر هذه التي شهدتموها في نقل مباشر هذه المرة وهو ما لم نحظ به نحن، وهيئوا أنفسكم لحرب سجال وجولة أخرى أنتم مخططوها ومنفذوها؛ فالعدو قد طاب له المقام بينكم بعد قرن إلا ربع، إقامة ولن يقتلع منها هذه المرة بسهولة. اطمئنوا!