"ساندويش شاورما"

 

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

أثناء زيارتي الأخيرة لإحدى الدول الإسلامية، شاهدت ما لم أشاهده في كثير من بلاد العالم، مما جعلني أقف حائرًا متأملا وأنا في حالة من التعجب والدهشة، والذي شاهدته: مقهى صغير ومتواضع جدًا يقدم سندويشات الشاورما باللحم والدجاج لزبائنه، والناس تتزاحم عليه من كل مكان وصوب، مما جعلني أتساءل مع نفسي، يا ترى ما هو سر ازدحام الناس على ذلك المقهى على رغم صغره وتواضعه؟ وهل الازدحام فقط لمجرد الطعم اللذيذ الذي يقدمه صاحب المقهى لزبائنه؟ ولماذا الناس تفضل الوقوف صفوفا على أعتاب ذلك المقهى؟ مع أن هناك عددًا لابأس به من المقاهي والمطاعم المختلفة والكبيرة والتي تقدم أيضًا الشاورما في نفس الشارع؟

هنا بدأت رحلة البحث عن سر نجاح ذلك المقهى، فرأيت من الحكمة تجربة ما يقدمه ذلك المقهى من وجبات الشاورما، صَففتُ مع الناس حتى وُفِقت للوصول إلى بائع الشاورما، وهنا كانت المفاجأة العظيمة والإجابة الأعظم على تساؤلي والتي كانت كالآتي:

رأيت بائع الساندويتش واضعًا أمامه الميزان الذي لم أره في مقاهي ومطاعم العالم، كان يقطع اللحم الناضج ثم يضعه على الميزان ويزنه حتى يتأكد من وزن كل حبة ساندويتش يُقدمها لزبائنه، فهو لا يبيع سندويشة إلا ويزن اللحم الذي فيها، بحيث يساوي وزن بقية الساندويتشات الأخرى، سألته: لماذا تفعل ذلك؟ قال: لكي لا أظلم أحداً من الناس وأنقصه حقه من أكل اللحم الحلال، ولأحظى برضا ربي "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ".

أذهلني جوابه وحرصه على إطعام الناس لقمة الحلال، وعدم أكل حقوقهم، وعلمت أن سر نجاحه وحب الناس لمحله، واختياره من بين بقية مقاهي الشاورما، هو بسبب خوفه من الله تعالى وأمانته ومراعاته لحقوق الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْجَنَّةِ جَسَدًا غُذِّيَ بِحَرَامٍ)، وقال: (إِذا وَقَعَتِ اللُّقمَةُ مِن حَرامٍ فِي جَوفِ العَبدِ لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ، وما دامَتِ اللُّقمَةُ فِي جَوفِهِ لا يَنظُرُ اللّهُ إلَيهِ)، فما أجمل هذا الأسلوب الواعي من هذا البائع، وحرصه على إطعام الناس اللحم الحلال والحفاظ على حقوقهم.

لقد أصبح الطعام اليوم هو الاحتياج الأكبر للناس، فهم يتناولونه على هيئة وجبات خفيفة ودسمة، وفي كثير من الأحيان يرغب البعض في تناول طعامه من خارج البيت، من المطاعم والمقاهي المنتشرة في البلاد، ومن المؤسف عندما نرى حال بعض المطاعم والمقاهي في بلادنا العربية والإسلامية، والتي لا تهتم بصحة الإنسان، فتقدم اللحوم الفاسدة أو المصنعة أو المذبوحة على غير الطريقة الإسلامية، فضلاً عن بخس الناس حقوقهم وتعريضهم للأمراض المختلفة بسبب الجشع والطمع بهدف الربح السريع.

لقد أثبتت الشريعة الإسلامية حرصها على تناول الإنسان الأغذية الصحية، لذا نرى اليوم أتباع الديانات الأخرى من غير المسلمين أصبحوا يفضلون تناول الطعام الحلال المُعد بحسب الطريقة الإسلامية، فهناك دراسات علمية لعلماء وباحثين من شتى بقاع العالم أمثال: الدكتور ستيفن ويلكنز من الجامعة البريطانية في الإمارات العربية المتحدة، والدكتور محمد محسن بوت من معهد غلام إسحاق خان للعلوم الهندسية والتكنولوجيا في باكستان، وغيرهم من أهل الاختصاص الذين تحدثوا عن إقبال الناس على الطعام الحلال أكثر من غيره من الأطعمة المعروضة في الأسواق العربية والأجنبية، وهذا يجعلنا أمام مسؤولية عظيمة وهي: مراقبة الأسواق وإخلائها من الأطعمة المحرمة، والتركيز على تقديم المصلحة العامة للناس بما يفيدهم، وإبعادهم عن ما يضرهم وذلك لا يكون إلا بترسيخ مفهوم الأكل الحلال الخاضع للتوجيهات الإسلامية.

ومن أجل نجاح أسواقنا العربية والإسلامية وبالخصوص في الجانب الغذائي السليم، لابد من التركيز على بعض النقاط الهامة والتي من أبرزها:

•     دعم المنتجات الموافقة للشريعة الإسلامية.

•     مراقبة الأسواق وخلوها من البضائع المحرمة شرعا ومخالفة كل ما هو مخالف للشريعة الإسلامية.

•     الترويج للمنتجات المناسبة للعادات الأسرية والاجتماعية العربية والإسلامية، والابتعاد عن كل ما له صلة بالعادات الغربية بقدر الإمكان.

•     تطوير المنتجات بشكل دائم ومراقبة تاريخ صلاحيتها.

•     اختيار وانتخاب أفضل السلع ذات الجودة التي يحتاجها المجتمع.

•     إدارة المشاريع الغذائية وغيرها بشكل يساعد على النجاح والازدهار والتفوق.

•     التسويق المستمر للأطعمة الحلال، فهو يساعد على كسب العملاء وتواجدهم في الأسواق وزيادة المبيعات المعروضة.

•     اختيار أفضل موارد التوريد من حيث السعر والجودة والتسهيلات للتمكن من جذب المستهلكين واقناعهم بما يعرض.

•     توعية الباعة بأهمية الأمانة والصدق واحترام المستهلكين والابتعاد عن الغش التجاري والمعاقبة على ذلك.

أخيرًا قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب في كتابه إلى مالك الأشتر النخعي: "وَليَكُن البَيعُ بَيعا سَمحا، بِمَوازينِ عَدلٍ، وأسعارٍ لا تُجحِفُ بِالفَريقَينِ مِنَ البائِعِ وَالمُبتاعِ). وجاء في تاريخ دمشق عن أبي‏ سعيد: كان خليفة المسلمين علي بن أبي طالب يأتي إلى السوق فيقول: "يا أهلَ السّوقِ، اتَّقُوا اللّهَ، وإيّاكُم وَالحَلفَ؛ فَإِنَّ الحَلفَ يُنفِقُ السِّلعَةَ، ويَمحَقُ البَرَكَةَ. وإنَّ التّاجِرَ فاجِرٌ، إلّا مَن أخَذَ الحَقَّ، وأعطَى الحَقَّ، وَالسَّلامُ عَلَيكُم".