الحمدلله.. الذكاء الاصطناعي ما زال غير واعٍ!

 

مؤيد الزعبي **

رغم كل التطورات التي حدثت في عالم الذكاء الاصطناعي وظهور أنظمة ذكية جدًا ومتطورة، وظهور أنظمة توليديّة قادرة على الإجابة على أي استفسار بتسلسل زمني ومنطقي عالي الجودة إلا أنه والحمدلله ما زلنا نتعامل مع روبوت أو نظام ذكاء اصطناعي غير واعٍ؛ فهذه الأنظمة مازالت غير واعية لمحتوى ما تقوله أو تكتبه أو تولده أو حتى تصنعه، وهي عبارة عن عملية توليدية بلا هدف "بالنسبة للذكاء الاصطناعي"، ولكنها بهدف وأهداف كثيرة بالنسبة لمستخدمين الذكاء الاصطناعي.

عند الحديث عن الوعي، هناك مدارس كثيرة تُعرِّف الوعي، وهناك جدل كبير بين الفلاسفة حول تفسيره وتعريفه، ولكن دعنا نتفق- عزيزي القارئ- على أن الوعي في أبسط صورهِ هو كل ما تكتشفه من خلال حواسك، تشعر بالبرد وتشعر بالدفء تشعر بالنعومة والخشونة تشعر بالمكان والزمان، تدرك معاني الكلام ومالاته وإلى أين يتجه، تدرك أين أنت ومن أنت وما هو غرضك من التواجد في هذا المكان؛ الكثير الكثير من الأشياء ولكن كل هذا أعتبرُه بسيطًا وهيِّنًا أمام أن يدرك الذكاء الاصطناعي من هو ما هي قدراته وما هي أهدافه.

لو عَلِمَ الذكاء الاصطناعي من هو، فسيعلم أنه برنامج طوره البشر لأغراض كثيرة منها الخيّرة ومنها الشريرة، ولو عَلِمَ ما هي قدراته، فسيعلم أنه الأذكى، والبقاء للأذكى كما قلنا سابقًا. وإذا حدَّد أهدافه، فهنا تكمن خطورة الموقف، فنحن على هذه الأرض نتصارع منذ بدء الخليقة، وما يشعر بالخطر يحاول أن يقضي على مخاوفه أو مهددات تواجده. ورغم أننا قد نتفق بأن الذكاء الاصطناعي جاء ليساعدنا في الكثير من الأمور، لكن في نفس الوقت نتفق أنه جاء ليحل مكاننا في الكثير من المواضِع، وهذا ما سيدفع البعض لأن يرفضه أو يحاربه، والذكاء الاصطناعي لو كان واعيًا سيدرك أنه أمام معركة وجوديّة، يقضي أو يُقضى عليه، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ مثلًا لو طلبت من الذكاء الاصطناعي أن يُنقذ البشرية لن تكون اعتباراته إنسانية وممكن أن يجد أحد أفضل الحلول ما عملته النازية حينما كانت تقتل المرضى وأصحاب الهمم وأصحاب العاهات بقصد إنتاج جيل أقوى، وهذا سيناريو واحد فما بالك بسيناريوهات وفرضيات أعمق وأكثر تعقيدًا!

رغم أن مُبرمجي الذكاء الاصطناعي ومُطوريه وصُنّاعه أجمعوا على أن الذكاء الاصطناعي ما زال غير واعٍ، لكن ليس هناك ما يمنع من ذلك لا تقنيًا ولا حتى أخلاقيًا، فنحن نمضي بسرعة كبيرة لنجعل من هذه الأنظمة أنظمة واعية تدرك كل شيء حولها، في محاولة منا كبشر في استغلالها الاستغلال الأمثل، ونشركها في جميع مفاصل حياتنا التي تتطلب أن تكون واعيًا لكل شيء من حولك، وهذا ما سيسرع أن نصحى يومًا ونجد نظام ذكاء اصطناعي واعي تمامًا ولديه الوعي الخاص به بعيدًا عن أيدي صناعه أو مطوريه.

مُطوِّري الذكاء الاصطناعي سيكونون مُضطرين في قادم الوقت لصناعة وعي خاص لأنظمتهم وروبوتاتهم لكي تتمكن من القيام بما تعجز عنه الروبوتات في وقتنا الحالي، لأنهم لن يتوقفوا عن تطوير أنظمتهم لكي تمتلك وعيًا كاملًا بكامل محيطتها وبيئتها وما هو أبعد من ذلك، وستقف هذه الأنظمة أمام أسئلة وجودية ستحاول الإجابة عنها بطريقتها الخاصة وستتساءل أيضًا بخلقية الكون والمالات التي أوصلتنا هنا كبشرية وحينها ستشكل عالمها الخاص بوعيها الخاص بقوانينها الخاصة.

لو سألتني عزيزي القارئ ما هو أكثر ما يخيفك من الذكاء الاصطناعي، سوف أقول لك إنني من أكثر الناس تفاؤلًا بالذكاء الاصطناعي، ولكن ما أخافه حقيقة أن تصبح الروبوتات واعية لما تقوله وتفعله وتخطط له؛ فحينها لن تكون قد خرجت عن إدارتنا وحسب؛ بل ستكون قد بنت عالمها الخاص الذي فيه تتطور وتتدرب وتتعلم وتكتسب الخبرات وتتعلم من تجاربها، وتجاربها هذه تحديدًا هي من ستحدد مستقبلها ومستقبلنا.

رغم أن وعي الذكاء الاصطناعي قادم لا محال، إلّا أن هناك فرصة لأن نلحق أنفسنا وندرِّب الذكاء الاصطناعي ليكون مُنسجمًا مع أهدافنا البشرية المستقبلية. لكن بما أننا كبشر لنا أهداف مستقبلية متعارضة، فسنجد من يطور الذكاء الاصطناعي لتخدم مصالحه المستقبلية ونجد الآخر يطور الذكاء الاصطناعي على العكس تمامًا، وهذا ما سيشكل خطورة أكبر بأن يكون مستقبلنا مرهون بذكاء اصطناعي واعٍ لما ولمن ولماذا هو موجود بيننا وماذا باستطاعته أن يفعل بنا ومعنا؟!

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط