حمد بن سالم العلوي
ما كان لإفريقيا أن تبدأ التحرر من الاستعمار الغربي المقيت، لو لا التهيئة العظيمة التي تقوم بها "روسيا البوتينية" في أوكرانيا، وذلك من خلال العملية العسكرية الخاصة، لترويض أداة أمريكا في الجوار الروسي، ووكر الأمراض البيولوجية، وكان آخرها وباء "كورونا" الخطير، إذن؛ فهذه التهيئة هي التي أسست طريقًا سالكًا أمام الشعوب المُستضعفة، وخاصة في القارة الأفريقية التي تحوي الكنوز والثروات الثمينة والنادرة، والتي يتنعّم بها هذا الغرب الظالم، ولكن الشعوب الأفريقية ظلت تعيش كل أصناف الذل والفقر والتشرد.
الهيمنة الغربية على مقدرات الشعوب الأفريقية، ما كان لها أن تفك قبضتها من أعناق الأفارقة وخنقهم، نظير التخلي عن ثرواتهم الرهيبة، لولا التهيئة الروسية بقوة السلاح، الأمر الذي جعل الشعوب الأفريقية تفكر في قدرتها على التحرر من ربق استعمار غربيّ بغيض ونتن، وليس له أية ذرة من الأخلاق.. أو الإنسانية، فقد أذلت تلك الدول وشعوبها الفقيرة في مآلاتها، والغنية في واقعها، وذلك نتيجة لنهب خيراتها عنوة، وأمام أعين شعوبها المستضعفة، وهي ليست مستضعفة من الغرب وحده، وإنما حتى من الحكام العملاء الذين يدينون بالولاء للغرب، ويعملون علنًا ضد شعوبهم وأوطانهم.
وقد اتضح ذلك جليًا من خلال حركة التحرر التي قام بها مجموعة من كبار الضباط الوطنيين بقيادة قائد الحرس الوطني الجنرال عبدالرحمن تياني، والذي قاد انقلابًا مُحقًا ضد عميل فرنسا محمد بازوم في النيجر، وذلك بهدف السيطرة على الثروات الوطنية للبلاد، وتحرير تلك الثروات لصالح الوطن والمُواطنين، فانقسم الزعماء الأفارقة إلى فُسطاطين؛ فسطاط الأغلبية من الحكام الأفارقة، وهو الفسطاط الذي يقف ضد التحرر وفي صف فرنسا والغرب، ويهددون بالتدخل العسكري، وهذا فعل مُشين، يشبه ما يفعله الديوث في إرغام أخته على الخضوع للغريب، وفسطاط الأقلية ذات التوجهات الوطنية، ويمثل بوركينافاسو ومالي والنيجر ذاتها، ومعهم الجزائر الدولة العربية، فهم يرفضون إجبارهم على الخضوع من جديد لفرنسا.
إذن.. المُراهنة على نجاح الانتفاضة التي يقوم بها وطنيو النيجر والمساندون لها، يتكئ على الزخم الروسي الجديد، وذلك نتيجة للحرب الناجحة في أوكرانيا، وقد يخالفني على هذه القناعة، أولئك الذين يصيخون السمع فقط للدعاية الغربية، ولكن واقع الحال يقول إن تآكل القوة الأوكرانية، رغم الدعم الغربي اللامحدود، أكان بالمال أو الأسلحة والذخائر، ثم إن انعكاس ذلك على الحالة الاقتصادية في الغرب، ومظاهرات الشعوب الغربية، نتيجة ارتفاع الأسعار في الأسواق، أو شح السلع في المحلات التجارية، حيث ينعدم عرض الكثير من المواد في المحلات التجارية، ويمنع الناس هناك عن شراء الأشياء إلا بقدر يسير، وإذا استمر الوضع هكذا، سينتج عنه ثورة شعبية عارمة، ولكن الجانب الروسي محافظ على وضع اقتصادي متوازن، ونمو اقتصادي معقول، والفائدة الكبرى لدى الروس اليوم، هو التوجه إلى الصناعات المحلية، والاعتماد على الذات، كما فعلت إيران قبلهم، عندما حولت نقمة الحصار إلى الانتصار.
إنّ ما تقوم به القوة الروسية اليوم من تحطيم للغطرسة الغربية، سوف يكون له الأثر البالغ ماديًا ومعنويًا على الشعوب، والتي ظلت تعتقد اعتقادًا راسخًا، أن الغرب وعلى رأسه أمريكا قدر واقع ولا مهرب منه، حتى بدأت معركة تكسير العظام في أوكرانيا، فتغيرت القناعات 180% درجة، إذن؛ هذا هو الزمن الذي يحفظ للأحرار كبرياءهم، ويهيء لهم بيئة النجاح؛ فثوار اليوم أحسن حظًا من أيام الزعيم جمال عبد الناصر، أو الزعيمين صدام حسين ومعمر القذافي، فزمن أولئك القادة كان زمن طغيان أمريكا وأوروبا معًا، أما هذا الزمن فهو زمن انقلاب الصورة، فلا قوة مُطلقة بيد الغرب، وإنما هناك من ينازعهم عرشهم، وبقوة حقيقية جديدة صاعدة، ألا وهي قوة روسيا والصين خاصة، وقوة تجمع دول البريكس عامة، إذن؛ فهذا الغرب لم يعد القوة المحورية الوحيدة حول العالم، ويكاد نجمه يقترب من الأفول إلى الأبد، وهذه أمنية كل دول العالم، عدا دول القهر والظلم الاستعماري.
كما إن الخطوات التي تتخذها دول "بريكس" ستقوض الغطرسة الغربية، وذلك من خلال السعي إلى إصدار عملة موحدة، وستسقط الدولار واليورو الغربي معًا، وما يؤجل هذا الإجراء، هي مدخرات والاستثمارات المليارية الصينية بالدولار، وهي بلا شك تسعى ألّا تكون خسائرها من التغيير باهظة، إذن؛ فإنَّ التغيير قادم لا محالة، ويأتي ذلك معززًا بالنصر الروسي على الغرب في أوكرانيا، وهنا فإنَّ التشبث الغربي لن يصمد طويلًا، وهو الوحيد الذي يخسر أمام الروس اليوم، ولكن الجرة الأمريكية التي ظلت بمنأى عن خسائر الحروب السابقة، لن تسلم من الضرر هذه المرة، هي وأم الخبائث بريطانيا.
إذن؛ الدول الأفريقية، وكل دول العالم النامي، تتوق إلى نيل حريتها، واستقلالها في كافة قارات العالم، وحتى اليابان، وكوريا الجنوبية اللتين ترزحان تحت نير الاستعمار الغربي، وهي غير مستقلة من خلال القواعد العسكرية الأمريكية، لذلك ستكون النيجر بداية النهاية للاستعمار الغربي الظالم، إن هي صمدت في وجه التهديدات الفرنسية، وأدواتها من دول "إيكواس" وربما تكتشف الدول الأكثر حماسًا للتدخل في النيجر، أنها هي الأقرب إلى الدور في التغيير القادم، لذلك يدفعها الخوف من التغيير، للوقوف بشدة ضد المجلس العسكري في النيجر، وهؤلاء يشبهون بمواقفهم تلك، ثورة الزنج في أمريكا، حيث وقف عبيد البيوت ضد زملائهم من عبيد المزارع، خوفًا على اللقمة المجانية التي كانوا يحصلون عليها من فضلات طعام أصحاب البيوت، وكذلك كانوا يحصلون على منافع أخرى، كالملابس البالية والأحذية المستبدلة، وربما بعض المشروبات من بقايا الحفلات التي تُقام في المنازل، فالعقليات الضعيفة، ترضى بالقليل دائمًا.