الحدائق والمتنزهات العامة والقطط

 

 

ناجي بن جمعة البلوشي

تُمثل الحدائق والمتنزهات العامة الوسيلة الأمثل للاسترخاء والاستجمام لسكان المدن، خاصة بعد أن اكتظت المدن بالحياة العصرية التي أخفت ملامح الحياة الصحية بوجود الازدحام المروري والضجيج البيئي وغيرها.

وفي عماننا الحبيبة، حظي جانب إنشاء وصيانة وزراعة وتجميل الحدائق والمتنزهات العامة بالاهتمام الأمثل، فتواجدها في كل حي ومنطقة وقرية مُؤشر على ذلك الاهتمام، كما أنَّ عددها يزداد في كل يوم، ولأن الاهتمام ذاته يبدو أنه اهتمام راقٍ، فهي تتجمَّل بأفضل ملامح الجمال عند منظر زهورها وتنسيق الألوان مع بعضها وفي احتواء بعضها على نوافير المياه الجميلة، وفي احترافية بعضها بتقسيمات الجلوس أو مخطط المشي وتناسقه مع روعة المكان، إنها حقًا جميلة بأعين الجميل الذي يرى الجمال جمالا، لكن عندما وصلت درجة الاستياء من مرتاديها إلى بحثهم عمن يكتب لهم مقالًا يناشد فيه المختصين في البلدية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة القطط الضالة التي عكَّرت صفو ذلك الوصف واستبدلته بالاستياء.. فهذا شيء عجيب.

فبعد ما أغلقت عليهم أبواب المناشدات لدى كل مديرية دون أي وجود لتجاوب من عند المسؤولين فيها، وكان في الأصل على المسؤولين ذاتهم زيارة ومعرفة ما في تلك الحدائق والمتنزهات الواقعة تحت إشراف مديرياتهم من سلبيات وإيجابيات، فليس من المعقول أن تجد لائحة الممنوعات عند أول نقطة دخول للحديقة أو المنتزة موضحا بها عدم اصطحاب الحيوانات الأليفة، بينما عند دخولك لها تجد المئات من القطط الضالة المؤذية والتي لا تخضع لأي مراقبة أو إشراف صحي. فهي تخرج من سلال القمامة إلى مفارش وسجاد المرتادين وبها ما بها من قاذورات، في منظر قد يكون له تعبير خاص لدى الزائر، هذا منظر موجود لا نحدده بموقع معين لكني هنا سأضع بعضا من الأماكن التي تشرف عليها بلدية مسقط؛ فمن البقع الخضراء في جانبي الطريق البحري بمطرح إلى المقاهي المطلة عليه بسوق مطرح، ومن شاطئ القرم في ولاية بوشر إلى متنزه العامرات ومتنزه بحيرة قريا...وغيرها، ففي هذه الأماكن تعشعش القطط الضالة لتؤرق راحة المرتادين وتغير عليهم حال الاسترخاء والاستجمام إلى حال القلق والتوتر والمطاردة، فهي تتخذ كل ما في أيديهم وما يحملوه وما يفترشوه طعاما وسكنا ومكانًا للعيش. ولأن وجود القطط الضالة أصبح أكثر من مجرد وجود في موقع بعينه، فلربما يمكن لنا أن نسميها ظاهرة باتت تكثر في كل مكان في عمان دون استثناء، فهي تدخل المساجد وهي فوق كل مركبة أوقفت أمام المنزل أو البناية، وهي عند أبواب المستشفيات والبنوك والشركات، كما أنها متواجدة تحت طاولات المطاعم والمقاهي وعلى الشاطئ وفوق التلال الرملية أيضا، إنها تتكاثر وتعشعش في أماكن عيش الساكنين مع عدم تقصينا عن أنواع الأمراض أو الأوبئة التي تنقلها، وربما إذا لم يتخذ المختصون طرقًا لمكافحتها فستزداد وتزداد كثيرا عما هي عليه اليوم من عدد، وستكون هناك انتكاسة لمرتادي كل تلك الأماكن، فسنجد يوما ما كل الحدائق والمتنزهات العامة مهجورة أو على الأقل غير مرغوب في زيارتها لسبب وجود ذلك المؤذي فيها.

إنَّ الانتقال الكمي الذي لاحظناه على مرتادي الحدائق والمتنزهات العامة بعد أن أجبرتهم جائحة كورونا على ذلك الانتقال ليكونوا به عندهم سلوكا إنسانيا، لا يمكن لنا أن نخسره من مجرد بعض الإشكاليات التي يمكن معالجتها من مجرد التأكد منها، ولأنها إشكاليات بسيطة فنحن على يقين تام بأنَّ المسؤولين النافذين في البلديات قادرون على إنهائها بأسرع وقت ممكن، خاصة وأنَّ الحكومة متوجهة إلى أنسنة المدن بكل الوسائل الممكنة، ومنها تلك الحدائق والمتنزهات والمماشي والواجهات البحرية...وغيرها مما تحظى باهتمام كبير منها، فتجد في كل شهر تقريبا خبر توسعة أو افتتاح أو إرساء مناقصة لإنشاء مثل تلك المتنزهات، ولأننا نواكب ذلك التوجه بل نحن شركاء فيه وفي صناعة المستقبل، فإننا هنا أوضحنا ما كان يجب علينا توضيحه على أمل أن نجد من وضعنا فيهم ثقتنا قد باشروا بإجراءات جذرية.