حمد بن سالم العلوي
هذا البنك مثار الحديث هذا الأسبوع، سأحرص ألا أذكر اسمه، حتى أفحص عدد ضحاياه من سياق الحدث، فإن عرف هذا البنك من صفاته ومواصفاته، فمعنى ذلك أن هناك خطأ ما في أسلوب تعامله مع المحتاجين إلى خدماته؛ فالناس لا تقدم على الاقتراض إلا مضطرة ولضرورة قصوى، أما من كان في مستوى ذلك المسؤول الذي غرَّد في وقت سابق من هذا العام، وقال إنه لا يحب الدين، ولا يحب الاقتراض من البنوك، وأنا أقول له صدقت والله يا سيدي، لأنَّ مثلك لا يقترض من البنوك، وإنما يفترض أن يكون هو من يقرضها، فلا تقارن المواطن العادي بشخصك الميسور، ولا هو سيتخذك قدوة له، لأن الفارق بينكما شاسع جداً جداً.
أعزائي الكرام؛ لقد سبق وأن حدثني صديق عن اشتراطات كثيرة ومُتعبة يفرضها واحدٌ من البنوك الوطنية، ويقول: لولا الحاجة الماسة، لما اقترضت ريالاً واحداً منه. وطبعاً سأستمر بعدم ذكر اسم البنك الذي ذكره لي صديقي، وذلك لأجعلكم أنتم تعرفونه من تلقاء أنفسكم، فمن سبق وتقدم بطلب قرض منه سيعرفه حالاً، أما من سيتقدم بطلب قرض لاحقاً سيعرفه وقتذاك، فيقول الصديق، كان لديه مشروع تنموي صغير، وتوقف بسبب عدم توفر التمويل، وبناء على نصيحة من بعض الإخوة، ذهبت للبنك "إياه" وطلبت قرضا منه، فقال لي المسؤول إنه عليَّ أن آتيه بدارسة جدوى.. ففعلت، ثم طلب مني رهن السجل التجاري.. فعلت، وطلب رهن عقار يُضارع قيمة المشروع مرتين ونصف.. ففعلت، وطلب مني شيكات بعدد الأشهر والأقساط المقررة.. ففعلت، وطبعاً هكذا في الكلام، ولكن في الحقيقة لازم تتبع قاعدة "سِير وتعال"، وذلك خلال فترة بين شهرين وثلاثة أشهر، وأنت السعيد إن أنجزت كل تلك الطلبات في هذه الفترة.
وبرغم كل ذلك، فلن يمنحك المبلغ المطلوب كاملاً، إلا بعدما يرى مندوب البنك بأم عينه، أن المشروع اكتمل، وعلى أرض الوطن، وأنه يُدِر عائداً جيداً على أقل تقدير يغطي الأقساط الشهرية، ترى ماذا ترك هذا البنك من شيء حتى يلجأ فيه للمحاكم؟! إذا الطرف المقترض أخل.. طبعاً لا شيء، وقد تبقى له؛ أن يطلب من المقترض عقد الزواج، وأن يحضر هو وزوجته إلى البنك للتوقيع برهنهما إلى البنك، ويقول صديقي؛ فربما يظن البعض أن القرض بالملايين، وأن القرض يستحق هذه الجهود والاحتياطات، ولكن قيمة القرض كانت أقل من 25 ألف ريال عُماني.
والطامة الأخيرة، وبرغم توافر كل هذه الاشتراطات، فإنه ليس بوسع المقترض أن يحرك ساكناً في وضع الشركة، إلا بعد موافقة البنك وهي السهلة جداً جداً، والمرنة جداً لدرجة أنك لا تصدق، فعلى سبيل المثال: إذا أحد أطراف الشركة أراد أن يتنازل عن بعض الأسهم لأخيه، ودون أن يلغي شراكته في نفس الشركة، فإنه سيحتاج إلى مجموعة مراسلات، وتوفير الكثير من الاشتراطات، وتوسيط الرشيد وشيخ الحارة، وبعض المديرين في البنك المذكور، أو حتى في البنوك المجاورة، وذلك كي يحصل على رسالة يفترض أنها من حقه، أو أنها لا ضرورة لها طالما الشركة باقية وبنفس شكلها القانوني، ولكن لن يتهوروا بإعطائك تلك الرسالة قبل أن تعد نجوم الضحى، وأكثر من مرة، وحتى يتأكدوا أنك عددت النجوم بطريقة صحيحة، فسوف يسألونك كيف عددت النجوم، مثال هل عددتها وأنت مستلقٍ على ظهرك؟ وفي أي مكان كنت وقت عدها؟! وبعدها سيمررون رسالتك على بعض المديرين ليوقعوها، وربما بعض المديرين من خارج النطاق الجغرافي لموقع البنك الذي فيه ملف السلفة.
حقيقة هذا أمر غريب، والكثير من القرّاء لن يصدقوا، ولكن إذا وقعوا ضحية هذا الفك المفترس عندئذ سيفهمون الحكاية، وأن هذا البنك الذي يزعم أنه يقدم خدمات جليلة للناس، لا يقوى عليها أي بنك آخر سواه، فهو صادق فيما يقول؛ لأنَّ البنوك الأخرى قد تأخذ رهن عقار، وقد تطلب كفيلًا، ولكن لقرض مهم، وفيه مخاطر كبيرة.. وربما يكون متفهِّماً أن يحجز على العقار أو المشروع الذي موله البنك، ولكن أن يحجر على كل الشركة، ويعطل التفاعل مع سجلها، إلا بموافقة ذلك البنك، فهذا أمر مبالغ فيه، وغير مقبول على الإطلاق.
ولا أظن أن كبار المسؤولين سيحتاجون لقروض هذا البنك، وربما كانوا يتمتعون بميزات خاصة، وهم الذين بيدهم تهذيب اشتراطات هذا البنك، إن أرادوا ذلك، ولكن سيكون فيه تخفيف على الناس، وهذا أمر محذوف من قاموس الخدمات العامة، وكذلك أشك أن يفعلوا شيئاً فيه تسهيل، ويستفيد منه العامة من الناس.
إنَّ عُمان تستحق أن يفك عقالها وأسرها من هذه العقد العقيمة، وتفتح ساحتها للتنافس الشريف، وأن تسعى الدولة كلها لعمل مظلة تُطمئن الناس على التجارة والعمل الجاد، وإلا ستظل اللوبيات الوافدة تقوى وتسيطر على التجارة وخيرات البلاد، ونحن نقيِّد المواطنين بشرنقة من العقد المملة، وقد ينصحك ناصح بالقول: أنا تعبت وخرجت من السوق، فإذا تريد تريح راسك تخلص من كل شيء واخرج. فهذا الرأي "الانهزامي" سوف تسمعه من أكثر من شخص، وفي أكثر من مكان.. لكن يا تُرى هل هذا صحيح؟!