خلفان الطوقي
صدرتْ قبل أيام 3 مراسيم سلطانية سامية تتعلق بنظام صندوق الحماية الاجتماعية، وإصدار نظام صندوق تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية، وأيضًا إصدار قانون الحماية الاجتماعية، ومنذ صدور هذه المراسيم وحتى لحظة كتابة هذه السطور، تفاعلت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والأوساط المُجتمعية، مع هذه المراسيم تفاعلًا واسعًا.
وكأي قرار يمس الناس، هناك من تفاعل بإيجابية وفرح واستبشار وتفاؤل، وهناك من انتقد بعض ما ورد كمنفعة الـ10 ريالات عُمانية للطفل، والزعم بأنها غير كافية، وأنه لماذا لم تكن 30 أو 50 ريالًا أو غيرها من أموال؟ وهناك من رأى أن منفعة كبار السن ليست أولوية مُقارنة بعلاوة الباحثين عن عمل، وبعضهم رأى أنه من المناسب تخصيص علاوة كبار السن لأصحاب الدخل المحدود الذي لا يزيد على مبلغ مُعين، ولا يجب أن تصرف للجميع ممن أكمل 60 سنة دون شروط، وغيرها من نقاط تم تداولها من هنا وهناك، والتي كان واضحًا فيها عدم إلمام الكثير منهم بتفاصيل منظومة الحماية الاجتماعية.
الأخذ والرد والتفاعل والتعاطي مع هكذا موضوع والاختلاف في وجهات النظر هي طبيعية وصحية ومتوقعة، فبالرغم من نشر الجهات المعنية كمًّا لا بأس به من منشورات ومعلومات، إلا أنَّ طلب التوضيح من المستفيدين سوف يظل مستمرا، وهناك من سوف يظل ينشر أو يُسهم في نشر معلومات مغلوطة، وربما هذه المعلومات المغلوطة سوف تكون أكثر انتشارًا لدى البعض، وعلى الجهات الرسمية المعنية أن تستعد وتكون جاهزة للتعامل الممنهج مع كل ما يرونه غامضًا أو هاجسًا، خاصة وأنَّ منظومة الحماية الاجتماعية تمس الجميع بشكل مباشر أو غير مباشر.
لا يختلف اثنان على أنَّ هناك أثرا مباشرا في تفعيل منظومة الحماية الاجتماعية كضخ تمويل نقدي مباشر يصل إلى حوالي مليار و400 مليون ريال عماني سنويا في محيط الاقتصاد العماني، وأثره في القوة الشرائية والقطاعات التجارية التي سوف تستفيد منه، لكن هناك أيضا فوائد غير مباشرة عديدة لمنظومة الحماية الاجتماعية، وبعضها ما يلي:
الشمولية: شملت معظم الناس بشكل مباشر، وشملت من تبقى بشكل غير مباشر، وسوف يصل هذا الدعم للأخ أو الأخت أو الابن أو الجار أو الصديق أو الزميل، فإن لم يصل إليك، فإنه سوف يصل لمن تم ذكرهم، أضف إلى ذلك المنافع التأمينية للأمومة والعجز والوفاة والأمراض المهنية والأمان الوظيفي وغيرها، أضف إليهم تطوير أنظمة التقاعد من زاويتي المنافع والاستثمار لتكون أكثر استدامة وربحية، ونظام الادخار المنبثق من المنظومة.
التنظيم: وهذا مطلب قديم ومنتظر، وهو أن الدعم النقدي يكون تحت مظلة واحدة بشكل شفاف وممهنج بعيدا عن العشوائية.
المرونة: من السهولة لهذه المنظومة الموحدة بشكلها الحالي أن يتم تطويرها وتعديلها، كما يمكنها من حذف أو إضافة برامج دعم تمويلية أخرى حسب الأولويات والإمكانيات والمستجدات.
المعايير الدولية: العمل في هذه المنظومة أكمل أكثر من عامين، فهناك جهود من فرق وطنية عملت بشكل حثيث مع استشاري دولي وبشكل لصيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) ومنظمة العمل الدولية ليستفيدوا من أفضل الممارسات الدولية في مجال الحماية الاجتماعية لتكون أنظمتنا متطورة ومتوافقة مع الأنظمة العالمية، وقد تمت الإشادة بالتجربة العمانية من منظمة العمل الدولية حسب ما نُشِر في وسائل الإعلام المحلية المختلفة.
الاستدامة: هذه المنظومة تمت على دراسة تضمن لها الاستمرارية بغض النظر عن تقلبات عوائد الدولة أو أسعار النفط والغاز، ولها مصادر تمويل استثمارية ديناميكية تمول نفسها وبأدنى تدخل من خزينة الدولة.
السلوكيات: ضخامة هذه المنظومة وملامستها لكثير من فئات المجتمع لابد لها أن تنعكس إيجابا -ولو بشكل تدريجي- على طريقة استيعاب المفاهيم المالية والصرف النقدي والادخار وحتى الاستثمار، فأثر الاقتصاد السلوكي لا يظهر إلا من خلال القوانين والتشريعات والقرارات التي تسنها الدولة ليطبقها المواطنون وتغير سلوكياتهم لتتوافق مع التوجهات الوطنية المستهدفة.
وأخيرًا.. إنَّ المرسوم السلطاني السامي المنتظر قد تم إصداره من لدن جلالته -أعزه الله- سائلين الله -جل جلاله- أن تتحقق عوائده المباشرة وغير المباشرة لعمان وأهلها وكل من يقيم على أرضها الطيبة المباركة.