طائر النار

سعود بن حمد الطائي

طائر النار أو طائر الفينيق كائن خرافي يرمز إلى الموت والحياة من رحم الأحداث، ومن بقايا الرماد، وهو من أساطير الخلود الجميلة في الشرق القديم؛ حيث يتجسد الصراع الأبدي بين الموت والحياة؛ إذ من بقايا الرماد تنبثق الحياة مرة أخرى وتتجدد الآمال ويعود طائر الفينيق إلى الحياة الدنيا كائنًا جديدًا مُفعماً بالحياة، وتغمره الطموحات نحو حياة متجددة.

 

النار.jpeg
 

أسطورة طائر الفينيق تعني عدم الانكسار أمام الأزمات، وعدم الاستسلام عند المنعطفات الحادة؛ فمسيرة الحياة مليئة بالصعاب، والناجح هو من يعرف كيف يشق طريقه من جديد ويبحث عن الأمل في الحياة من رحم الانكسار، ولولا أسطورة طائر الفينيق فمن كان يتصور أن يرى ألمانيا واليابان تنبعثان إلى الحياة مرة أخرى وتنهضان بعد تدميرهما الواسع في الحرب الكونية (العالمية) الثانية؟ واليابان وقد أُلقيت على مدينتي هيروشيما ونجازاكي قنابل ذرية حولت المدينتين إلى ركام ورماد. ومن بين أشلاء الضحايا وأنين المُعذَّبين تسللت شرنقة طائر النار لتعود باليابان من جديد مُحلِّقة في سماء المجد والخلود، بعيدًا عن بحر اليابان. كما تقدمت قوات الجيش الأحمر إلى أسوار برلين لتقضي على ما تبقى من أحلام "الرايخ الثالث" في غزو مزدوج من الشرق والغرب بقيادة أمّة جديدة كُتِبَ لها أن تحكم العالم بعد انهيار الإمبراطوريات القديمة في كل من بريطانيا وفرنسا، ومن بين أنقاض برلين ورماد الحرائق والدمار الكبير انبثقت مرة أخرى حياة جديدة لتحلق ألمانيا على جناحي طائر الفينيق إلى سماء المجد والخلود.

الشعوب الحية العظيمة لا تموت ولا تنكسر إرادتها مهما تعرضت له من دمار وانكسار؛ فهي تنهض من بقايا الرماد وتعود إلى الحياة من جديد قوية العود مفعمة بالأمل والحياة.

وبالرغم من أن دول الشرق كانت مصدر الإلهام والمنبع الذي تصدر منه معظم الأساطير القديمة مثل مصر والعراق، إلّا أن الشرق ما زال رهين المحبسين، فقد أخذت شعوب العالم الأخرى معظم الأساطير والعلوم وطبقت نتائجها على مجتمعاتها وارتقت من خلالها إلى درجات عالية من النمو والرخاء في الوقت الذي تأخر فيه الشرق وذهبت أمجاده وحصيلة علومه إلى مكتبات الغرب ومراكز بحوثه، فأينعت أزهارها وأعطت ثمارها وارتقت مجتمعاتها.

ولم يعد لحضارة الشرق غير الذكريات والتحسر على ماضٍ بعيد اجتهد آباؤه في بناء صروحه وأضاعه أبناؤه. فمتى يا تُرى سيعود طائر الفينيق إلى مهده القديم في دول الشرق؟ ومتى سوف تحلق أحلام شعوبه وأبنائه على أجنحته الحمراء نحو سماوات المجد والخلود مرة أخرى؟!