مارتينيز

 

قصة: سعود بن حمد الطائي

كان الطريق إلى مدريد من غرناطة وعبر جبال سييرا نيفادا، أو جبال الثلج يشبه رحلة تاريخية مليئة بالحزن والأسى والمجد الغابر الذي أضاعه أهله، وكلما أسرع القطار في طريقه نحو تلك السهول الخضراء، كلما أسرع الزمن في طيّ صفحة كانت ولاتزال من أجمل صفحات الزمن المنسي على عتبات المجد وأكثرها وجعًا وألمًا.

جلس إلى جانبي في القطار شاب إسباني حسن الهندام جميل المحيا متوترا بعض الشيء وكان بين الفينة والأخرى يترك مقعده ويذهب لتدخين سيجارة ثم يعود مرة أخرى وكنت قد أحضرت معي بعضا من المكسرات والقليل من الفاكهة وضعت شيئاً منها على الطاولة الصغيرة وعندما جاء للمرة الثانية عرضت عليه أن يُشاركني فمد يده باستحياء

- قلت له: إن اسمك مارتينيز

- أليس كذلك

نظر إلى حقيبته في أعلى القطار، وضحك وقال لك عينان قويتان. وكان اسمه مكتوباً على ظهر الحقيبة

- قلت له: كأنك من المرية

- نظرإليَّ مستغربا وسألني:

- هل ذلك أيضاً مكتوب على الحقيبة

- قلت له: لا

- إنه مكتوب عل اسمك الذي تحول مع مرور الزمن إلى مارتينيث أو  مارتينيز

صورة داخل المقال.jpg
 

- إن أصولك تبدوعربية مثلي يا مارتينيز ؛ لقد كان ذلك من ألف عام، حيث كان حكام المرية وبلنسية عربا من بني مردنيش، وقد استقرّ لقائدهم "أبو عبد الله، محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش" حكم "المرية" Almeria عام 542هـ/1147م، وبعدها ازدادت شوكته، وسعى إلى توسيع نطاق إمارته، فولّى ابن أخيه يوسف "بلنسية"، ثم ضمّ إلى مُلكه "شاطبة" و"دانية"، وطمع بـ"إشبيلية"، ونازل "قرطبة"، و"قرمونة"، وكاد يستولي على جميع الأندلس".

- ولكن التاريخ يبقى هو الشاهد الوحيد على تلك الأحداث

- أذاهب أنت إلى مدريد؟

- نعم

أتعلم أنَّ "مدريد" مدينة عربية المنشأ أيضاً أسسها الأمير "محمد الأول بن عبد الرحمن الثاني" عندما كان واليًا على قرطبة عام ٨٥٥ ميلادية.

نظر مارتينيز إلى النافذة وكانت الجبال على وشك أن تنتهي وتحل بدلا منها سهول خضراء عتيقة.

مرَّ عليها الكثير من الفاتحين والغزاة فذهبوا وتولوا وفي قلوبهم غُصة وحسرات وبقيت السهول خضراء يانعة شاهدة وكأنها خُلِقت من جديد.

قال مارتينيز وقد بدأت معالم "طليطلة" تبدو من بعيد:

- لقد كانت "مدريد" عربية المنشأ ومن قبلها كانت طليطلة عاصمة لإسبانيا العربية المسلمة وبقيت غرناطة وقصر الحمراء جرحا ينزف كل يوم دماً ودمعاً ولكنكم أنتم من أضعتم كل شيء بأيديكم المخضبة بدماء أقرب النَّاس إليكم.

- لقد أضعتم إسبانيا بعد أن جعلتموها على طريق النور والمجد فأصبحت بفضلكم إمبراطورية واسعة الأطراف عزيزة الجانب وانكفأتم أنتم بحدود تضعونها فيما بينكم وانشغلتم بقتال بعضكم البعض وعميت أبصاركم عن رؤية الحق وطريق المجد ولازلتم منذ ذلك اليوم الذي خرج فيه عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة من قصر الحمراء وحتى يومنا هذا وأنتم في شقاق وعجز وتقفون مع عدوكم وهو يقتل أطفالكم ويستبيح أعراضكم.

- أوا هل تريدني أن أذكر آبائي من بني مردنيش حكام "فالنسية" و"المرية" أو أذكر المعتمد بن عباد الذي مات أسيرا منفيا في مدينة "أغمات" جنوب وسط المغرب على أيدي من استعان بهم لإنقاذ الأندلس.

- سأترك لك عنواني في "المرية" لتتواصل معي عندما تنبعث أمتكم الإسلامية من الكهف من جديد وعندها سوف يعود لي اسمي "ابن مردنيش" بدلا من مارتينيز مرة أخرى...

- أوا هل تريدني بعد كل هذا الأسي أن أذكر آبائي من بني مردنيش.