معاني الحياة في الحروف والكلمات

د. معراج أحمد معراج الندوي **

merajjnu@gmail.com

 

الشعر هو فهم عميق للحياة والكون، والشعراء هم الذين يفهمون الحياة ويذهبون إلى أعماقها، ثم ينقلون ذلك في صورة جميلة، هم أقدر الناس على تصوير الحياة وأدوات الحياة. الشعر بحر بلا انتهاء، هو موج فوق موج، ورغوة من ورائها رغوة، وحركة في أثر حركة، هو رياح مصطفة ومد وجزر، وضوضاء خفيف في الغابات الإنسانية. يجتمع في الشعر الجنة والنار، والحاشية الرقيقة، والجوف الغائر، والحاضر والماضي، السكون والحركة، والفناء والخلد، والشرق والغرب، الشمس والقمر، النجوم والصحارى.

والشاعر هو الذي يعبر عن أحساسه العميق، ويترجم أعمق خلجاته، فهو الصدق وهو العمق، وهو لحم ودم، وليس مجرد صورة وزخرفة، الشاعر هو وحده الذي يستطيع أن يمد يده إلى أعماق البحر، فيخرج لنا باللؤلؤ، وهو يقدر أن يجعل نجوم السماء خواتم في الأصابع. الشاعر هو الذي يبحث عن معاني الحياة بين الحروف والكلمات، ويطلع علينا بما اكتشف من المعاني السامية للحياة والكون، الشاعر هو الذي يسحق أفكارنا القديمة ثم يولد المعاني الجديدة.

الشاعر هو الذي لا ينعزل عن الحياة، ولا يعيش في الكهوف وشعب الجبال، ولا يغض طرفه عن حاجات المجتمع ومقتضيات العصر، وإنما يتصل بالحياة الواقعية، ويطلع على مكائد النفسية ومزالقها، ويتصدى لما انتشر في المجتمع من الأمراض النفسية والأدواء الخلقية والمشكل الاجتماعية.

ومن أهم وظائف  الشعر التعبير عن الجوانب الوجدانية من نفس الإنسان. والشاعر ينظر إلى المجتمع البشري من خلال نافذة وجوده ويرصده ما تدور فيه من روابط وصلات ويتوقف عند ما تسوده من عادات وتحكم عليه من أفكار وآراء، ثم ينفعل ويتأثر بما يميله عليه المجتمع فتجيش في خلده مشاعر وعواطف تعكسها قريحته بكل شفافية ويحيكها وجدانه المتدفق.

يؤمن الشاعر بقدرته على تغيير العالم من خلال الفن الذي لا ينسلخ عن الواقع، يحاول الشاعر من خلال قوة كلماته وسلاسة أبياته الشعرية التي تعكس مقدرة فريدة على تطويع المعاني والكلمات لخدمة المعني والإحساس والتعبير عن مشاعر مكنونة تجاه الوطن الأرض والإنسان.

الشعر يرشدنا إلى القلوب التي يشع منها النور، وتصدر منها كلمات لاتسمعها الآذان، ولكن تسمعها القلوب. لأن الشعر لا يخرج من لسانه، بل يخرج من قلبه العميق في صورة كلمة، والكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان.

الشعر يعبر عن الحياة كما يحسها الإنسان من خلال وجدانه، فالشاعر وهو في نوبات جنونه ينقل بصره من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء، فتصور له مخيلته المبدعة ما لا يراه غيره، فيستطيع أن يترجم هذه المشاعر بقلمه حروفا آسرة ويجسد بلسانه أصواتا تنقل السامع إلى عوالم السحر والجمال. فالشاعر هو الذي يبحث عن معاني الحياة بين الحروف والكلمات.

** الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية وآدابها، جامعة عالية، كولكاتا- الهند

تعليق عبر الفيس بوك