هل نعيش في زمن يجف فيه القلب؟

 

سلطان بن ناصر القاسمي

 

"قال تعالى "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" (النساء: 36).

هذه الآية من سورة النساء تحث على عبادة الله بإخلاص وعدم الشرك به، وتذكرنا بواجبنا تجاه الآخرين، فهي تشجعنا على مُعاملة الوالدين والأقرباء والجيران والأيتام والمساكين والمحتاجين والمسافرين والمجتمع.

إننا -منذُ الصغر- نعيش في مجتمع يسودهُ التقدير والاحترام والود والوئام نسقيه من محبة الأهل والجيران فيحترم صغيرنا كبيرنا؛ حيث إن المواقف هي من علمتنا ذلك الاحترام، فتجد البيوت مفتوحة بكل الحب والتقدير، لدرجة أن منزل جارك هو بمثابة منزلك، وابن جارك هو بمثابة ابنك، فما بالك إن كان هذا الشخص هو ابن أخيك أو ابن عمك أو ابن ابن عمك، والقائمة تطول، وكل ذلك والمحبة والاحترام والتقدير يسود تلك العلاقات ويتقبلها الجميع بصدر رحب، آه على تلك الأيام التي يعلم الجار قبل أهل الرحم بما يجري مع جاره، وأي احتياجات يستطيع الجار توفيرها لجاره دون طلب، فيسد حاجته دون ذل من الجار أو خجل من المحتاج، ولقمة العيش تتقاسم بين الجيران بكل حب ومودة وتقدير.

 وللأسف ما نشاهده الآن من التفريط في القيمة المعنوية للاحترام والتقدير من أقرب الناس لصلة القرابة- قبل الجار- هنا نتساءل هل الزمان هو من يغير الصفات القيمة لدى المجتمع؟ أو أن التربية هي التي اختلفت؟ أو أن هناك صعوبة في اكتسابها من قبل الأبناء؟ أو هناك صعوبة في توريثها من قبل الآباء لأولادهم؟

 

إنَّ من المواقف التي يذرف القلب منها دمًا أن تجد ابناً أنهى دراسته الجامعية وللأسف لم تعلمه هذه الجامعة كيف يحترم قريبه الذي هو في مقام جده، والذي وجه له النصيحة ولم يتقبلها بصدر رحب، بل ردَّ عليه بكلام جارح ينم عن قلة الاحترام وسوء التربية.

ومن ضمن المواقف أيضًا عدم احترام الابن أو الابنة لعمهم أو عمتهم أو خالهم أو خالاتهم الذين هم في مقام والديهم، والذين وجهوا لهم النصيحة، وموقف آخر يتضح فيه عدم احترام الأخ الصغير لأخيه الأكبر الذي هو في مقام والده.

هنا تسقط جميع الأقنعة المزيفة من تعليم وشهادات ومن قيافة وهندام راقٍ أمام قلة التربية في عدم كسب الصفات الحميدة من احترام وتقدير لمن هم في مقام آبائنا وأمهاتنا. أصبحنا لا نستطيع توجيه من هم في مقام أبنائنا أو تقديم النصح عن سوء تصرف أو موقف خاطئ، حيث للأسف يفتقد الاحترام والتقدير ويسوده قلة الأدب وعدم التربية التي لم يستطع الآباء إيصالها لأبنائهم أو العكس لم يستطع الأبناء اكتسابها من آبائهم أو حتى من دراستهم.

نصيحتي لكل من يقرأ مقالي هذا أن الاحترام والتقدير من الصفات القيمة التي تكتسب من البيت أولًا ومن المجتمع ثانيًا ومن المدرسة والجامعة ثالثًا فاسعوا إلى التمتع بهذه الصفات الحميدة عند مصادفتك للمواقف سواء من أهلكم أو أقربائك أو حتى من جيرانك وعموم النَّاس، لأنك تمثل أسرتك وعائلتك ولا تمثل نفسك، فعند وقوعك في قلة الاحترام والتقدير، فإنك تنسب إلى أبيك وعائلتك بأجمعها، وتأكد بأنك مرآة عاكسة لأخلاقك وتربية والدك لك وتربية عائلتك أيضًا فيا أيها الأبناء الأعزاء تمتعوا بالاحترام والتقدير عند المواقف، تقبلوا النصح، والإرشاد من الغريب قبل القريب فإنها صفات ترفع من قيمتكم الإنسانية وترفع من قدركم وقدر والدكم وعائلتكم المجتمعية، الردود السلبية في المواقف والتي تفتقد إلى الاحترام تعكس شخصيتك وتعكس تربيتك فتجنبها وتمالك إخراجها لمن هو أكبر منك سنًا لمن هو في مقام والدك وعمك وخالك وجدك، وفي هذا المقام تحضرني قصة حقيقية تحكي عن استشاري جراحة للدماغ تم استدعاؤه بشكل عاجل لإجراء عملية جراحية فورية لأحد المرضى في أحد المستشفيات، وعند وصوله إلى المستشفى، وجد والد المريض غاضبًا ومتوترًا بسبب التأخير. قام الطبيب بتهدئة الوالد وشرح له أنه حضر بأسرع ما يمكنه بعد استلام النداء، وأنه سيقوم بالعملية بكل احترافية وأن ابنه سيكون في رعاية الله.

لكن والد المريض لم يهدأ واستمر في انتقاد الطبيب ووجه له أسئلة حول مصير ابنه. في رد الطبيب على الوالد، ذكر قوله تعالى "الذين إذا أصابتهم مُصيبة قالوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون" وأكد على أنَّه سيبذل قصارى جهده لإنقاذ حياة ابنه وأن الأمر في يد الله.

وبعد انتهاء العملية الجراحية بنجاح، قام الطبيب بإعلام والد المريض بالنتيجة الإيجابية وأن ابنه في حالة جيدة، وعندما حاول والد المريض طرح أسئلة إضافية، تفاجأ بأنَّ الطبيب قد غادر المستشفى على عجل، وبعد بعض الوقت، أخبرت الممرضة الوالد بأنَّ ابن الطبيب توفي في حادثة وأنه ذهب لحضور جنازته.

هذه القصة تعلمنا ضرورة الاحترام والتقدير في التعامل مع الآخرين، حتى في الظروف الصعبة، وتذكرنا بأننا يجب أن نتعاطف ونتصرف بلطف مع الآخرين، وتذكرنا أيضًا بأهمية الصبر والتفهم والتعاون في بناء علاقات متينة ومحترمة.

لنعيد إحياء الاحترام والتقدير في حياتنا، لأنهما ليسا فقط مكسبًا شخصيًا، بل هما أيضًا رمزًا للقيمة الإنسانية وعراقة الأصل التي يجب علينا المحافظة عليها. فلنبنِ قواعدنا على التعاون والاحترام المتبادل، ولنجعل من حولنا يشعرون بأنهم محل تقدير واحترام، وبذلك سنصبح نموذجًا يحتذى به للأجيال القادمة في مجتمع يزخر بالأخلاق والقيم النبيلة.

تعليق عبر الفيس بوك