يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"الحزب الوطني الذي عجز عن توفير السمك للمواطنين، نجح في توفير المواطنين للسمك!" جلال عامر.
**************
تمر الكويت حاليًا بمنخفض سياسي ساخن جراء الحركة المتدرجة للحملات الانتخابية للمرشحين الساعين لتبوؤ مقعد البرلمان في مجلس الأمة 2023، ولا شك الشارع منشغل بأداء المرشحين وجولاتهم المتحركة التي لا تألو جهدًا في سبيل تحقيق حلم الوصول للمقعد البرلماني.
في الكويت لا توجد أحزاب مُرخّصة، فقط توجد حركات سياسية أو تيارات لا يجمعها تنظيم صارم مُلزم ببنود قانونية؛ لأنه ببساطة- كما أسلفت- لا توجد تراخيص للأحزاب. والأحزاب أساسًا وإن غابت صفتها القانونية التنظيمية، فإن وجودها لا تخطأه العين. هنا هل نستطيع أن نعتبر كل تجمع حزباً؟ ممكن، لم لا؟! قد يكون أهل التوجه الواحد مذهبيًا أو مرشحو الطائفة أو القبيلة هم بالتبعية أحزابًا، قد يكون إلّا أنه لا يوجد تنظيم تنظمه بنود وقواعد قانونية، ولا شك أن هذا يمثل ثغرة واسعة يخرج منها كل صاحب مزاج أو مصلحة، على اعتبار عدم وجود الإلزامية القانونية المرخصة.
هنا لا أزعم أنني أؤيد وجود أحزاب مُرخّصة أو حتى غير مُرخّصة، وأعتقد أننا في الوطن العربي- وليس في الكويت وحسب- لم نستوعب ماهية فلسفة الأحزاب السياسية حتى اللحظة، ما زلنا نراوح حول الزعامات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وانسياق الكثير وراء مُسمّيات غير مناسبة كالزعيم الرمز، أو الرئيس التاريخي، أو حتى بعض المسميات المضحكة مثل "الرئيس الفخري"، وكلها مُسمّيات قد تتخذ الواقعية الحقيقية مجالًا لا مناص منه. لا تصلح الأحزاب في بلدان تقدس زعاماتها، الحزب يُفترض بناؤه على توجه آيديولوجي سياسي معين لا يرتبط باسم فلان أو علان، وينضم إليه المقتنعون بالفكرة المؤسِسَة لهذا التجمع الحزبي، ويكون له مكتب سياسي وأمانة عامة ومعروف مصادر تمويله ومضخاته المالية، ويعمل تحت الضوء، وتتغير قياداته بين الفترة والأخرى. هذا باختصار مفهوم الأحزاب. أما قصة قيادي حزبي يبقى قياديًا حتى الموت أو إلا إذا أنهكه عارض صحي، ومن ثم يُعين ابنه أو قريبه مكانه، هنا يا سيدي أسمح لي هذا ليس حزبًا سياسيًا محترمًا؛ بل قد يكون أقرب للمؤسسة الخاصة، وسيئة السمعة أيضًا!
أتذكرُ قبل سنوات أحد المرشحين في واحدة من الانتخابات التي من كثرة عددها في السنوات الأخيرة لم نعد نتذكر أية انتخابات.. المهم أنه رأى توجه الشارع نحو المرشحين المرتبطين بحركات سياسية، وكانت مشكلته أن ارتباطه بالسياسة غير موجود، ولا يفهم في السياسة، وأغلب ثقافته عن أحدث الماركات من الأحذية! فقرر استحداث حركة سياسية، لينضم لها مؤيدون كشاكلته، ويا للأسف لم يجد أحدًا يؤيد فكرته الرائعة لتأسيس حزب على طريقة أي شيء وكل شيء، وقتها أتذكر أن أحد أصدقائه اقترح عليه تسمية الحزب بـ"حزب كلاركس"!
في الانتخابات- أي انتخابات- إن لم يتم تنظيمها سياسيًا قبل الدخول في نواحيها التنظيمية، فمن الصعب إقناع الشارع بها، فقد أصبحت الانتخابات مظلة للبروز الشخصي لتحقيق متطلبات شخصية ضيقة كالطموح لوجاهة اجتماعية أو نفوذ أو حتى ربما تحقيق مصالح غير مشروعة، وبالتأكيد في تراخي تطبيق القانون قد يكون الدرب سالكًا لتحقيق مثل هذه الأمور لمرشح فاسد. تصوَّر معي أنه حتى اللحظة كثير من المعاملات المُهمة للمواطن لا يُمكن إنجازها إلا بتدخل واسطة!
من المُلفت للنظر أن المجلس البلدي بالكويت قبل أيام أقرّ لائحة لفرض رسوم على مظلات السيارات في السكن الخاص، في بلد أصبحت مظلة السيارة فيه ضرورة بسبب الشمس اللاهبة خاصة في أشهر الصيف، ولنا أن نتخيل أن اللائحة أُقرّت قبل الصيف بفترة بسيطة، والأدهى أن الأعضاء المنتخبين هم من أيدوا وصوتوا لصالح القرار، بينما الأعضاء المُعينون من الحكومة صوتوا ضد اللائحة! وقفت النساء المعينات ضد الشروط الجديدة للائحة، وكان موقفًا مُلفتًا للنظر، وترك تساؤلات لم تنتهِ.
الانتخابات في الكويت، بعد أيام، وواضح أن الشكل العام للمخرجات لن يتغير كثيرًا، ويبقى الأمل على وعي الناخب واختياره الذي يصب في الصالح العام؛ فالكويت أحوج أكثر من أي وقت مضى إلى كفاءات متعلمة وأمينة تقود المشهد السياسي، كفاءات ليست مرتبطة بأحزاب غير مناسبة، ولا تملك طموحات نفوذ ووجاهة؛ بل كفاءات تسعى لرفعة البلاد، وخدمة العباد.