ثقافة الحوار

سعود بن حمد الطائي

ثقافة الحوار وعدم مُقاطعة الأشقاء، نهجٌ عُمانيٌ أصيلٌ، رسم خطوطه ووضع النقاط على حروفه السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- رحمه الله- وجاء من بعده حضرة صاحب الجلالة السلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- فأكمل هذه المسيرة العطرة، وأضاف إليها ما اجتهد في تحقيقه، ورَنَا إلى الوصول إليه من إضافة للاقتصاد وتبادل المصالح التجارية لكي تتمكن شعوب المنطقة من قطف ثمار ما وهبه الله لهم من خير وما من عليهم من فضل مع بلدان الجوار.

إيران- على سبيل المثال- والتي زارها جلالة السلطان، جارة عزيزة تشترك معنا في حدودها البحرية، وتربطنا بها علاقات ودية من قديم الزمن، وحجم تجارتها الخارجية يتجاوز العشرين مليار دولار، لكن نصيب السلطنة من هذه التجارة لا يتعدى نسبة الـ5%، وهذا لا يُعبِّر بأي حال من الأحوال عن الجهود الإيجابية التي بذلتها السلطنة في الكثير من المناسبات. وخلال الزيارة السامية لجلالة السلطان المعظم إلى إيران، تم الاتفاق على الكثير من مجالات العمل والاستثمار وعلى تطوير حقل غرب بخا هنجام، الذي كان منسيًا لفترة طويلة وهو حقل يحتوي على 700 مليون برميل من احتياطات النفط، وتريليوني متر مكعب من احتياطات الغاز؛ وهي ثروة كبيرة مدفونة تحت رمال البحر لو استُخرجت لأعطت ثمارها للبلدين ولأسهمت في زيادة مصادر دخلهما بصورة كبيرة.

كما إن المناطق الصناعية المنتشرة في معظم أنحاء البلاد، ولا سيما تلك التي وضعت الدولة عليها آمالًا كبيرة مثل الدقم وصحار تحتاج إلى تدفقات الغاز بصورة مستمرة، وإلا فماذا يجدي استثمار الملايين في البنية الأساسية دون توفير مصادر آمنة للطاقة، وعلى رأسها الغاز الطبيعي، وربما يُسهم الاتفاق الأخير حول تطوير حقل "بخا هنجام" في سد النقص الذي تعانيه مناطقنا الصناعية.

هذه الاستثمارات ما كان لها أن تتحقق وترى النور لولا ثقافة الحوار وتقديم المصالح الوطنية والعمل المخلص لتحقيق مستويات معقولة من العيش الكريم لشعوب وأبناء هذه البلاد، ولو سعت الدول العربية الأخرى واعتمدت ثقافة الحوار منذ زمن بعيد ما كُنّا عانينا من ويلات حروب ذهب ضحيتها الأبرياء، ودمرت كل ما في طريقها من منشآت وطرق وجسور وأتت على كل أخضر ويابس.

إنَّ عُمان تقدم يومًا بعد يوم دروسًا وعبرًا، لو عملت بها شعوب أخرى ودول عانت من ويلات الحروب لحل الازدهار واستفاد أبناؤها من خيرات بلادهم بدلًا من صرفها على شراء السلاح وقتل الأخ لأخيه دون سبب، والمنتصر دائمًا والوحيد مصانع السلاح وتجار الموت والدمار.