حيدر بن عبدالرضا اللواتي
هل يمكن لنا أن نتخيل وجود فقر وحاجة في دول مجلس التعاون الخليجي لأبنائها، وهي التي تتمتع بوجود ثروات هائلة من مصادر الطاقة المختلفة كالنفط والغاز المتدفق في جميع أنحاء المنطقة منذ أكثر من سبعة عقود مضت وكذلك من المصادر المالية الكبيرة في الصناديق السيادية؟
لكن هذا ما أشارت إليه لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" في تقرير حديث حول الفقر في عدد من الدول العربية الخليجية، فهناك اليوم أكثر من 6% من سكان دول المجلس يعانون من الفقر، بواقع 3.3 مليون مواطن خليجي في عِداد الفقراء من العدد الإجمالي المقدّر للسكان بنحو 54 مليون نسمة لعام 2023.
الكل يعرف أن غالبية القاطنين بدول مجلس التعاون الخليجي هم من الوافدين الأجانب الذين يفوق عددهم عدد المواطنين الأصليين في كثير من هذه الدول، بحيث تصل نسبة الوافدين إلى أكثر من 90% في بعض الدول الخليجية نتيجة لحاجة تلك الدول لتسيير أعمالها التجارية والعقارية والاقتصادية عامة، وعلى حساب الكثير من الأسس والقضايا الاجتماعية والثقافية التي تضررت من وجود هذا العدد الهائل من الأجانب في المنطقة.
دول مجلس التعاون الخليجي سعت منذ عقود إلى تأمين مستقبلها الاقتصادي؛ باعتبار أنها تملك أكثر من 35% من احتياطي النفط العالمي، بجانب أنها تدير 2.5 تريليون دولار من الأصول، أي ما يعادل 37% من إجمالي أصول كل الصناديق السيادية في العالم. فهل هناك أسباب تؤدي إلى وجود الفقر بين أبنائها الذين تتزايد أعدادهم من خريجي الجامعات والمؤسسات التعليمية كل عام؟
لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" أكدت في تقريرها أن هناك معاناة في بلدان مجلس التعاون الخليجي بسبب فقر بعض مواطنيها، بالرغم من أن معدلات الفقر تراجعت بها منذ عام 2010، بحيث تراجعت نسبة الفقر في السعودية وحدها من 18.2% في عام 2010 إلى 13.56%، وأن نسب الفقراء في بقية دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى متفاوتة فيما بينها، بحيث تراوح ما بين 10.1% في السلطنة و7.5% في البحرين، فيما تقل معدلات الفقر في كل من الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة عن 2%، وتعتبر قطر من أقل الدول المسجلة للفقر بحيث تصل النسبة إلى 0.4%.
في هذا الصدد، أفادت اللجنة- في بيانها- أن مظاهر التنمية وازدهار اقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي دفعت إلى انتشار تصوّر بأن الفقر في دول مجلس التعاون الخليجي، منخفض أو حتى معدوم، محملّة دولنا بأنها لم تبذل من الجهد سوى القليل للتحقّق من مدى انتشار وتجذر الفقر، فيما لم تقترح المكاتب الإحصائية المتواجدة بها عن وضع خطوط فقر لتضع تعاريف وطنية لتحديد معدلات الفقر؛ الأمر الذي دفع لجنة "الأسكوا" بأن تعتمد تقريرها ضمن خطوط الفقر التي وضعتها لنفسها مع متابعة معدلات النمو المقدرة لها من أجل احتساب عتبات الفقر من حيث الإنفاق في دولنا الخليجية ومعرفة معدلات الفقر فيها خلال الفترة (2010- 2021).
تقرير اللجنة لم يكتفِ بنقل هذه الأرقام المهمة فحسب؛ بل طالب دول المجلس بالحد من الفقر، الأمر الذي يستلزم إجراء إصلاحات مالية لزيادة تنويع قاعدة الإيرادات، وتحسين الاستهداف في خطط الحماية الاجتماعية، وإصلاح سياسات تخصيص الأراضي والمشتريات العامة. كما طالبت أيضًا بضرور الاستثمار في مهارات المواطنين، وهو الموضوع الذي يمثّل الأولوية ويتطلب من الجهات المعنية العمل بها من خلال إصلاح أنظمة التعليم والتدريب والتأهيل، وأنظمة الحماية الاجتماعية وأنظمة التقاعد في دول المجلس. وهذه الخطوات والإصلاحات بلا شك ستتيح لشريحة أوسع من السكان المواطنين الاستفادة من الفرص الاجتماعية والاقتصادية وفق بيانات تقرير اللجنة.
إن جميع دول مجلس التعاون تنتمي للجنة "الإسكوا" التي تعد ضمن خمس لجان إقليمية تخضع لولاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. ويتمثل دور هذه اللجنة المهمة التي تتابع الكثير من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة وخارجها من المؤسسات التي ينتمي إليها دول أخرى لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا من خلال التعاون والتكامل على الصعيدين الإقليمي ودون الإقليمي.
لقد تعرضت دول المجلس إلى الكثير من التحديات الجسيمة وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية قبل ظهور جائحة "كوفيد- 19" نتيجة للصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة، بجانب عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي نتيجة لتعرّض أسعار النفط العالمية التي تعتمد عليها إلى تراجع كبير منذ منتصف عام 2014، قبل أن تتحسن قليلاً في الفترة الماضية؛ الأمر الذي أدى إلى نزوح الكثير من العمالة الأجنبية، فيما ارتفعت خلال فترة الجائحة معدلات تسريح العمالة الوطنية التي تضرُ اليوم الكثير من أفراد الأسر والعائلات الخليجية، فيما تتواصل معدلات الباحثين عن العمل سنويًا، مع استمرار الضغوط المالية المتزايدة التي تؤثر جميعُها على الحياة الاجتماعية للأفراد، وتزيد من معدلات الفقر. ولا شك أن استمرار الاضطرابات السياسية والعسكرية في المنطقة وخارجها يُؤثر بشكل مباشر على تفاقم القضايا الاجتماعية والتأثيرات على التنمية الاقتصادية في المنطقة؛ حيث ما زالت المنطقة تتأثر بنتائج آثار الحرب على اليمن الشقيق، والحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم القضايا الاجتماعية بالمنطقة ومنها الفقر المادي والحرمان.