التأشيرة الخليجية الموحدة

 

خلفان الطوقي

مرّت دول الخليج العربي بمحطات وتحديات عديدة خلال العقود الأخيرة، وأبرز هذه التحديات ما حدث أثناء جائحة "كوفيد-19"؛ حالها كحال بقية أنحاء العالم، لكن ما يميز تحديات دول مجلس التعاون الخليجي أنها مرتبطة بأسعار النفط والغاز؛ فالعلاقة طردية بين موازنتها المالية وسعر برميل النفط، فإن كان سعر البرميل عاليًا، تتحقق الفوائض المالية، والعكس صحيح، وهذا أمر طبيعي، لذلك كان لا بُد لدول المجلس أن تنوع مصادر دخلها، ولا تبقى رهينة مورد واحد وهو النفط، وأن تقلل- قدر الإمكان- من أي تحدٍ نتيجة تذبذب سعر النفط العالمي.

تباينت الرؤى الخليجية في تبني خطط لتنويع مصادر دخلها كل حسب أولوياته وإمكانياته، ومن هذه الموارد "السياحة"، ولا يختلف اثنان في أهميتها، وفي إمكانية دول مجلس التعاون الخليجي أن تستقطب مزيدا من السياح لأراضيها، فكل عناصر النجاح متوفرة من بنى تحتية متطورة، ونقاط سياحية جاذبة، وتشريعات متكاملة، وبناءً عليه لا بُد من تفعيل التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة، خاصة وأن معظم دول الخليج وقعت على مذكرات تفاهم في المجال السياحي فيما بينها.

يبقى الخبر المفرح ما جرى تداوله في معرض السفر العربي- الذي أقيم قبل عدة أيام في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة- أن دول الخليج العربي تدرس فيما بينها إصدار تأشيرة سياحية موحدة مشابهة لتأشيرة "شنجن" الأوربية، والتي بموجبها تسمح لأي زائر أو مقيم لديه هذه التأشيرة أن ينتقل من دولة خليجية إلى أخرى بكل سهولة ويسر.

في حالة تحقق هذه الأمنية الخليجية وإقرارها بعد عدة أشهر وتحديدًا أثناء القمة الخليجية الـ44 في ديسمبر المقبل، سيُشكِّل ذلك قفزة نوعية للتكامل الاقتصادي الخليجي، وسوف تستشعر دول المجلس ومواطنوها فائدة هذا القرار الاستراتيجي المشترك، والذي سيدر عوائد كبيرة لمنظومة السياحة الخليجية، بدءًا من المطارات والمنافذ البرية والبحرية الخليجية، وانتهاءً بالجولات السياحية، وفيما بين دخول البلد والخروج منها تكون الفوائد المباشرة وغير المباشرة من فرص عمل جديدة وخدمات المطاعم والمقاهي وفنادق وجولات ترفيهة وثقافية منوعة وانتعاش للعديد من القطاعات المساندة.

هذا هو التوقيت المناسب لإقرار التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة خاصة وأن دول الخليج على موعد- كما هو معلن في نهاية عام 2027- مع تدشين خط السكك الحديدية المشترك، وهو مشروع مشترك لن يكون مُجديًا اقتصاديًا بما فيه الكفاية ما لم يكن قادرًا على نقل البشر والبضائع؛ فالفائدة المرجوة لن تكون للسياح فقط؛ بل أيضًا للمواطنين والمقيمين في دول الخليج وأعدادهم بالملايين، علاوة على أن سهولة انتقالهم من دولة لأخرى سيُحقق الفائدة للجميع.

إنَّ التكامل الخليجي المأمول شعبيًا، وبعد العقود الماضية، يجب أن يتضمن صورًا مختلفة معظمها يخص فئات معينة، لكن مثل هذا المشروع الطموح- أي التأشيرة الموحدة- سوف يلمس الجميع مدى التكامل الخليجي، دون استثناء من مواطنين ومقيمين وسُيّاح، وسوف تشمل فوائده الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والأمنية.. وكُلنا تفاؤل بأن تتحول الأمنية إلى واقعٍ قريبًا يُلامس مطالب الخليجيين وتتحقق الفائدة للجميع.