الحفاظ على النسيج الاجتماعي

 

سالم البادي (أبو معن)

لابُد من التنويه إلى أنّ ما سوف أتناوله هنا هو تسليط الضوء على الاهتمام والعناية والرعاية بالنسيج الاجتماعي العُماني، وكيفية مواجهة تفكك هذا النسيج، وتشتت وتفرق الأسر، وكيفية التعامل مع هذا التحدي أفرادًا أو مجتمعًا، والحلول الضرورية للحفاظ على اللحمة الاجتماعية والهوية الوطنية.

المجتمعَ العماني نسيج اجتماعي عربي مُسلم، تسُودَه المحبةُ والوئام بين جميع شرائحه؛ حيث طغى عليه التآلف والتكاتف والتعاون بين أوساط مجتمعه نتيجة حفاظه على قيمه ومبادئه على مر الأزمنة، فضلاً عن تعزيز وتمكين الأصالة الوطنية وروح التعاون والتواصل بين جميع أفراد ومؤسسات المجتمع الواحد، مما جعل نسيجه الاجتماعي صالحا وسليما ومتماسكا طيلة تلك القرون والعقود الماضية ويضرب به الأمثال.

بيد أنَّ النسيج الاجتماعي في هذه المرحلة الزمنية وفي ظل التطورات والمتغيرات المتسارعة للعالم خاصة في عصر الثورات الصناعية الأخيرة علاوة عن عصر العولمة وما لحقه من ثورة في عالم التطبيقات والتقنيات وشبكة الإنترنت وغيرها، أصبح يواجه أكبر تحدٍ له، تحدٍ شكّل تهديدًا لاستمرار تماسكه وقوته وتعاضده.

كان للآباء والأجداد والسلف الصالح دور مهم وبارز في الحفاظ على هذا النسيج الاجتماعي للمجتمع العماني الأصيل، وعلى توريثه للأجيال جيلا بعد جيل.

وقوة اقتصاد أي دولة في العالم، وتقدمها وتطورها غالبا ما يعتمد على مؤشرات عالمية في مدى قوتها أو ضعفها، لكن بعض علماء الاجتماع السياسي يميلون إلى إعطاء الأولوية لقوة تماسك النسيج الاجتماعي للمجتمع وقوة ترابطه وتكاتفه، حيث تأتي المجتمعات الهشة المتفرقة والممزقة والذي يكون نسيجها الاجتماعي والثقافي والفكري يعاني من تفكك وتمزق في أضعف تصنيف.

وتوجد بعض المحاولات والجهود من قبل المجتهدين لترميم ما تصدع من "النسيج الاجتماعي"، إلَّا أنَّ المتغيرات والتحديات المعاصرة والتطورات السياسية والاقتصادية العالمية التي حدثت خلال العقود الأخيرة هيأت المشهد لأن يكون له تأثيرات سلبية مما شكلت تهديدًا خطيرًا لاستمرار حالة الترابط الاجتماعي التي تضمن المحافظة على القيم والمبادئ والعادات والتقاليد الاجتماعية والأعراف الحميدة فضلاً عن الهوية الوطنية العمانية، مما يدعو إلى احتمال ظهور هويات متعددة، ومتضاربة، بسبب هذه الظاهرة الخطيرة التي قد أودت بكثير من المجتمعات والأمم المختلفة وجعلتها تحت وطأة هويات متعددة يتشاركون في أرض، وليس في وطن واحد يجمعهم، وسادت تلك المجتمعات حالة من حالات العداء الأخوي المجتمعي، وغابت شعارات التضامن والتعاون والأخوة والألفة والمحبة بين أفراد المجتمع. كما غاب أيضا دور القبيلة التي كان لها دور بارز في المحافظة على النسيج الاجتماعي، وبدلا من المحافظة على الهوية القبلية التقليدية المعروفة بأعرافها، طالت حالة التشتت والتشرذم القبيلة؛ بل تعدى ذلك ووصلت حالة الانقسام إلى جميع مؤسسات وأركان المجتمع ومكوناته بما فيها الأسرة الواحدة، وهذا كله أدى لتداعيات خطيرة منها: كثرة الهجرات الداخلية والخارجية، وتأخر وتردٍ في الخدمات والبنى الأساسية، وتدهورٍ اقتصادي مستمر، وارتفاع معدلات البطالة، وانتشار واسع للفساد وغيرها.

ونوجز بعض العوامل الناتجة عن تفكك المجتمعات :تفشي الفساد في مؤسسات المجتمع وغياب الحقوق، وابتعاد أفراد المجتمع عن الروابط  والأعراف الاجتماعية الأساسية، وفتح علاقات جديدة ضعيفة وليست مبنية على أسس قوية وهشة، وانتشار الجريمة بشتى أشكالها، وانتشار الأمراض العقلية والنفسية والعصبية في أوساط المجتمع نتيجة انتشار تعاطي المخدرات، والممارسات المصاحبة للإدمان.

ولا شك أن تعزيز الانتماء الوطني من أبرز التحديات التي تؤثر في ترابط وتماسك المجتمعات ومدى قدرتها على تحقيق التنمية والتطور والنماء، كونه يُسهم في الحفاظ على الهوية ودعمها لدى أفراد المجتمع، ويشعرهم بالاطمئنان والاستقرار والانتماء، وأن الانتماء للوطن درجات من المسؤولية والالتزام تجاه الوطن بالدفاع عنه، والحفاظ على هويته، والسعي لتحقيق نهضته وتقدمه.

وأطرح هنا بعض المقترحات التي تسهم في الحفاظ على النسيج الاجتماعي، ومنها: نشر المفاهيم التربوية والتعليمية والدينية والثقافية والفكرية الصحيحة والسليمة بين أفراد المجتمع، وتعزيز تطبيق مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، والتمسك بالأخلاق الفاضلة والتقاليد والعادات الحميدة والأعراف الاجتماعية الصحيحة، والسمات العربية والإسلامية المتوارثة مثل الصدق والإخلاص والوفاء والأمانة والكرم ومخافة الله تعالى، ونشر مبادئ التسامح والسلام وإشاعة الاطمئنان والاستقرار، وتقوية روابط الأخوة والمحبة والألفة واللحمة الاجتماعية من خلال التواصل الاجتماعي بشتى أنواعه وأشكاله، ونشر ثقافة حب العمل التطوعي والمبادرات الوطنية. إلى جانب تفعيل دور الإعلام في التقريب بين أفراد المجتمع ونبذ الفرقة والشتات والعنف والتمييز ودرء الفتن والإشاعات، ونشر كل ما يسهم في توحيد الكلمة والصف وتحقيق التقارب والتعاون في المجتمع، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في زيادة أواصر الترابط والتعاون والتكافل والتعاضد المجتمعي، وتعزيز دور المجالس العمانية "السبلة" في تربية الأجيال وغرس القيم والمبادئ والعادات والتقاليد الاجتماعية، وفي حل القضايا الاجتماعية، وتفعيل دور الجمعيات الأهلية المجتمعية وفق الأنظمة والقوانين والتشريعات المنظمة لهذا الشأن، وتعزيز دور رسالة المسجد والوعظ والأرشاد ونشر ثقافة التسامح الديني والحث على الالتزام بالعبادات، والمحافظة على اللغة العربية وعدم استعمال المصطلحات الأجنبية في التواصل بين أفراد المجتمع الواحد، والحفاظ على البيئة الاجتماعية المتماسكة المترابطة سواءً الزراعية أو البحرية أو الجبلية أو الريفية أو الحرفية وغيرها.

أخيرًا..نود أن نركز على أهمية الحفاظ على تماسك وترابط الأسر وحمياتها من التمزق والضياع هي مسؤولية عظيمة ورسالة سامية تتضامن فيها كل مؤسسات الدولة ابتداءً من رب الأسرة  والحكومة إلى مؤسسات المجتمع المدني؛ لأن ذلك ينعكس إيجابًا على سلامة وأمن الدولة، وأهم ركائز التوازن الذي يضمن الاستقرار الاجتماعي والأسري والسكاني هو توفير العيش الرغيد للمواطن العماني؛ لأنه أهم مقومات الحياة الإنسانية والمجتمعية للعيش تحت مظلة النسيج الاجتماعي الوطني.