ويبقى خير جليس في الأنام كتاب

مختصون يحفزون مكامن الشغف القرائي لدى الشباب: بوابة لعوالم لا متناهية من المعرفة والإبداع

 

◄ الراشدي: نتطلع لشراكة مجتمعية فاعلة لتعزيز ارتباط جيل الشباب بالكتاب

◄ المناعية: نحتاج مزيدًا من الفعاليات الثقافية.. والدعم المؤسسي لتعزيز المبادرات أولوية

 

الرؤية - فيصل السعدي

قديمًا قيل "وللقراءة سحرٌ يصعُب إدراكه على العازفين"؛ فالشغف والنهم على هذا النوع من الهواية يعدُّ مفتاحًا لباب واسع من عوالم المعرفة والإبداع، وموسعًا لمَدارك العقول، وضامنًا لنشاطها الدائم. "الرؤية" استطلعت آراء عدد من أصحاب المكتبات والمهتمين والمعنيين حول واقع القراءة في مجتمعنا، وجدوى الاستثمار المُحقِّق للثراء الثقافي والمعرفي للأجيال المتعاقبة.

ويقول محمد بن سليمان بن سيف الراشدي مدير مكتبة مسقط: إنَّ العلاقة بين القارئ والكتاب في ضعف مستمر، وهو ما يعني أننا أمام أزمة حقيقية كمثل الأزمات العصرية؛ مما يستوجب الوقوف على مسبباتها وتأثيراتها من النواحي السياسة والاقتصادية. مؤكدًا أنَّ القراءة لا تلتزم بفترة زمنية محددة ولا بفئة عمرية معينة. وشدد الراشدي على أنَّ "خير جليس" لابد أن يكون عنوانًا حاضرًا في  مرحلة الطفولة والمراهقة، وهي فترة البناء وتكوين الذات، كما أنَّ الحرص على زيارة المكتبات أمر مهم حتى ما بعد الشيخوخة.

وأشار الراشدي إلى أنَّ القراءة ليس لها موسم، وأنَّ الرواج الذي يصاحب معارض الكتاب إنما يعود إلى أنَّ مثل هذه المعارض تأتي بترويج أكبر وبصوت أعلى لتلاقي الجميع يسعى لاقتناء الكتب بصورة لافتة بعض الشئ عند أكثر الناس، لتنوع كثرة المعروض من الكتب.

وعن علاقة الشباب العُماني بالقراءة، قال الراشدي: إنَّ الشاب العماني واسع الثقافة وعاشق للاطلاع؛ فهو من أكثر الشعوب حرصًا على القراءة وحب المعرفة؛ مؤكدا أنَّ الكتب الدينية مادة أساسية عند الشباب العماني المحافظ في مجمله، كما لا يُهمل كتب التاريخ وتطوير الذات والروايات الحديثة العربية والمترجمة، وأحيانا يختلف حسب التأثيرات البيئية أو والاختلافات بين الذكور والنساء.

ونصح الراشدي بضرورة تعزيز حب القراءة والاطلاع في روح الناشئة، وتكاتف الأسرة والمدرسة والإعلام المرئي والمقروء بتقديم الحوافز وبرامج تحث الشباب على مواظبة القراءة.

 

منهاج حياة

من جانبها، ترى وداد عثمان المانعية أنَّ القراءة ليست موسمية، بل هي سلوك ومنهاج حياة لمن يرغب في الاستزادة المعرفية والمعلوماتية.. معتبرة أن معارض الكتاب المتنوعة إنما هي فترة تجديد لتعزيز الهدف الأسمى من القراءة وهو التنوع في الأطروحات والمجالات المختلفة التي تهم المُطلع عامة والقارئ خاصة.

وتقول المناعية: لا يمكن أن نُجزم بشكل عام عن توجه القارئ العماني ولكن من المُلاحظ أن القراء يحاولون قدر الإمكان أن يكونوا على معرفة بما يدور حولهم من أحداث، بمعنى أن هناك سعيًا لا بأس به لمواكبة ما يحصل من طفرة معلوماتية في الوقت الحالي؛ ومن ثمَّ يصعُب أن نفصل القارئ العماني عن المنظومة ككل، وهنا المتلقِّي يجب أن يعرف أن القراءة بوصفها منهجية حياة تعتمد على الهدف عند القارئ، ومجال اهتمامه وتوجهاته كذلك.

وتشير المناعية إلى أنه في عصر التكنولوجيا يصعُب تحديد مصدر معلوماتي محدد، والقراءة الورقية تتعد منافعها وإيجابيتها، معتبرةً أنَّ القراءة حالة من التأمل العميق وهي اتحاد مع المطروح وتزود معرفي، وقد تذهب لأبعد من ذلك في زيادة التركيز في عصر المعلومة العابرة السريعة؛ لذلك قد يلجأ الكثير لحُجَّة عدم وجود الوقت الكافي وقد يعتمد الكثير أيضا على الكتب المسموعة، ولكن تبقى القراءة الورقية حالة متفردة من الانسجام  بين القارئ والمقروء. وتنصَح بتعزيز القراءة من خلال زيادة الوعي حول أهميتها وزيادة المحافل الثقافية في مختلف مناطق السلطنة، وزيادة الدعم المؤسسي لتعزيز المبادرات المتعلقة بالقراءة وذلك لتشجيع القراء والباحثين.

 

ذائقة متنوعة

أمَّا سيف بن سليمان بن سيف المنجي مؤسس ومالك مكتبة "بذور التميز"، فلفت إلى أنَّ الإحصائيات تُبشِّر بأنَّ المجتمع العماني قارئ وليس كما هو متوقع، بل وذو ذائقة متنوعة؛ فهناك من يحب كتب تطوير الذات المترجمة، وهناك من يحب الروايات المترجمة...وغيرها، وإجمالاً فإنَّ الكتب الأدبية هي المفضلة لدى شريحة كبيرة من القراء العمانيين، مشيراً إلى أنَّ أكثر الكتب مبيعا لدى مكتبة "بذور التميز"، هي كتب الأطفال، ومن ثم كتب تطوير الذات المترجمة ويأتي بعد ذلك الكتب التخصصية الجامعية.

وأوضح المنجي أنَّ هناك دوافع كثيرة تجعل من القارئ مقبلاً على القراءة، بحسب ما لمسه من زبائنه في المكتبة؛ فمنهم من يقرأ من أجل التطوير المهني، ومنهم من يقرأ من أجل متابعة الأخبار فقط، والبعض يقرأ من أجل التسلية والمتعة، وهناك نوع من القرَّاءة وهم الدارسون الذين يقبلون على القراءة  من أجل التحصيل المدرسي أو الجامعي؛ حيث يركزون على الكتب التي قد تفيدهم في الدروس والبحوث.

 

هواية يومية

فيما يعتبر لبيد بن عبدالله بن صخر العامري صاحب مكتبة "مجاز"، أنَّ تخصيص مساحة من وقتنا اليومي للقراءة والتعلم أمرًا مهمًّا لجميع الفئات العمرية  لتوسيع مدارك الوعي والفهم، وليكون هناك وقت خاص لغذاء عقولنا بعيداً عن ضغوطات الحياة ومسببات التوتر والقلق. لافتًا إلى أنَّ القارئ العماني كثيراً ما يقرأ في الرواية والتاريخ، إضافة لمختلف العلوم ومختلف المجالات العماني، وهذا يعود إلى تعلق العماني بجوانب التاريخ وما تفرضه طبيعته وميوله في الإكتشاف وشغف المطالعة.

وأكد العامري أن للقراءة أهمية كبير في بناء الحضارات ونهضة الأمم؛ فالقراءة وحب الااطلاع تزيد قدرة الإنسان على التركيز والذاكرة والحفظ وتكوين مخزون لغوي، كما أن القراءة تبني الثقة بالذات وتبعد صاحبها عن الاكتئاب والضيق؛ فهي جسر ينقل القارئ لحياة أسهل وأرحب. ومن هنا، تتجلى أهمية القراءة لدى الشباب العماني حتى يكون أكثر وعيا وإدراكا واتزانا.

ونصح العامري بتوفير مكتبات أو صالات تستقطب القراء العمانيين بأجواء ملائمة تخلق نشاطا معرفيا ثقافيا لشغل وقت لا بأس به من اهتمامات الشباب، وإقامة الأمسيات والندوات والجلسات التى تسهم في زيادة الوعي حول أهمية القراءة وتحفيزهم على ممارستها. مستعرضًا العامري الدور الذي تقدمه مكتبة "مجاز" في نشر ثقافة القراءة والمعرفة؛ من خلال تنظيم العديد من الجلسات المتنوعة في المجال الثقافي والفني، ودعوة المختصين في الصحة النفسية والعمارة والإنشاء، واستضافة الكتاب والأدباء، باعتبار ذلك أمرًا جيدًا يُسهم بصورة كبيرة في خلق حراك نشط بين القارئ والمكتبات.

تعليق عبر الفيس بوك