تأثير دخول السعودية كشريك حوار لمنظمة شانغهاي

 

تشو شيوان **

وافق مجلس الوزراء السعودي يوم الأربعاء الماضي، على قرار الانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون، وقالت وكالة الأنباء السعودية إن المملكة وافقت على مذكرة حول منح السعودية صفة شريك الحوار في منظمة شانغهاي للتعاون، وقد أعربت وزارة الخارجية الصينية يوم الخميس الماضي عن ترحيبها وتهانيها للسعودية، وفي ظل هذه المستجدات؛ إلى أين تتجه المنظمة، وما هي الأبعاد وتأثيرات لدخول السعودية كشريك حوار؟

في البداية، نود أن نوضح أن دخول المملكة العربية السعودية كشريك حوار في منظمة شانغهاي للتعاون يُعد الخطوة الأولى للانضمام إلى المنظمة بشكل كامل، وهذا يُمهّد الطريق لتعاون كبير بين السعودية والدول الأعضاء بالمنظمة. ومن جانب آخر، فإنَّ هذه الخطوة سيستمر تأثيرها على المصالحة بين السعودية وإيران، وستفتح الأبواب لتعاون مثمر في قادم الأيام، كما إن هذه الخطوة ستُتَرجَم للمزيد من التبادلات والتعاون بين الصين والسعودية خصوصًا وأن السعودية دولة مهمة ومُصدِّرة للنفط ما يجعل التبادل التجاري بين البلدين يتعزز ويتطور.

في منطقة الشرق الأوسط، هناك العديد من الدول التي تسعى للانضمام لمنظمة شانغهاي للتعاون مثل السعودية ومصر وإيران وتركيا، مما يتيح للمنظمة إمكانية إعادة بناء الهيكل الجيوسياسي والاقتصادي على نطاق واسع في المنطقة والعالم، خصوصًا وأن منظمة شانغهاي للتعاون تتحرك نحو الغرب، وتؤدي دورًا جغرافيًا واقتصاديًا ذا تأثير أكبر.

وغني عن الذكر أن منظمة شانغهاي للتعاون هي منظمة سياسية وأمنية لدول تشغل مساحة كبيرة من أوراسيا من بينها الصين وروسيا والهند، وقد تأسست المنظمة عام 2001 بين الصين وروسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابقة في وسط آسيا، وتوسعت لتضم الهند وباكستان، متطلعة للعب دور أكبر في مواجهة النفوذ الغربي في المنطقة. وقد كان الدافع وراء تأسيسها هو الاستقرار الإقليمي؛ حيث واجهت المنطقة خاصة آسيا الوسطى، تهديدات من الإرهاب والانفصالية والتطرف، وتعززت أسباب وجودها من خلال الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر؛ أي بعد ثلاثة أشهر من تأسيسها، ما جعل العمل المشترك بين الدول الأعضاء يتطور ويتسارع لحماية المكتسبات وتعزيز العلاقات، وقد أصبحت المنظمة منصة رئيسية لتعزيز التعاون ودعم التجارة والنمو الاقتصادي. وارتفع إجمالي حجم التجارة للدول الأعضاء من أكثر من 667 مليار دولار أمريكي في عام 2001 إلى أكثر من 6 تريليونات دولار أمريكي في عام 2020. وزادت نسبتها من إجمالي التجارة العالمية من 5.4 في المائة فقط إلى 17.5 في المائة خلال نفس الفترة.

وشكلت منظمة شانغهاي للتعاون تشكيلًا على مستوى "8 + 4 + 9"، أي 8 دول أعضاء و4 دول مراقبة و9 شركاء حوار، والدول الأعضاء هي الصين وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان، إضافة إلى الهند وباكستان، وهما عضوان جديدان، والدول المراقبة الأربع هي أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا. وشركاء الحوار التسعة هم أذربيجان وأرمينيا ومصر وكمبوديا وقطر ونيبال والمملكة العربية السعودية وتركيا وسريلانكا.

ولأن الطرق التطويرية دائمًا ما تأخذ طريقين؛ الأول: متمثل في المكاسب والأمور الإيجابية، والطريق الآخر يتسم بالصعوبات والتحديات. ومنظمة شانغاي للتعاون تواجه نفس الطريقين. فصحيح أنها تتوسع باتجاه الغرب باستمرار؛ الأمر الذي يعكس قوتها وتأثيرها، لكن يجب أن ندرك أيضًا أن التوسع المستمر سيجلب مزيدًا من الدول ذات المواقف المختلفة، مما سيؤدي إلى مزيد من الخلافات الجيوسياسية وصراعات الأعضاء في المنظمة، الأمر الذي قد يزيد من صعوبة الحوار الداخلي والتنسيق والتكامل والتعاون، وأيضًا العمل مع منظمات أخرى سيخلق المزيد من التعقيد في العلاقات. كل هذه الأمور تحديات واقعية تواجهها منظمة شانغهاي للتعاون على طريق التوسيع، ويجب التعامل معها بحكمة ودراية، وهذا ما تحاول الصين والدول الاعضاء تفهمه وإدراكه وبناء منظمة تعاون مبنية على أساس ثابت من التفاهم والايمان بأهمية العمل المشترك والتقارب مع الاختلافات، ومع وجود السعودية داخل المنظمة ستتقارب وجهات النظر ويزيد الانسجام بين دول الشرق الأوسط.

وتعد منظمة شانغهاي للتعاون آلية مبتكرة متعددة الأطراف، وتختلف عن المنظمات الإقليمية الأخرى لكونها تجسِّد الحكمة الشرقية، التي تسعى لتحقيق التناغم المتبادل والتعاون الوثيق، والعمل على تخفيف أنواع التناقضات والخلافات مما يعطي المنظمة أهمية كبيرة في تعزيز الحوكمة العالمية، وحماية والسلام والاستقرار العالميين.

واليوم مع دخول السعودية للمنظمة سيتعمق العمل المشترك مع مختلف الأطراف؛ سواء في الشرق أو الغرب، وبعد سنوات من العمل المشترك بين السعودية والصين تُتَوَج هذه العلاقة بدخول السعودية للمنظمة والعمل مع شركاء جدد داخل منظمة عمل موحدة، تسعى للسلام وتعزيز التبادل، وهذا ما سيفتح الباب للعديد من دول المنطقة لتكون هي الأخرى شركاء حوار للمنظمة استعدادًا للانضمام الكامل، وهذا ما أراهن عليه في قادم الأيام، بأن دول المنطقة ستسعى للمزيد من التفاهمات مع الجيران عن طريق المنظمات القائمة على التعاون مثل منظمة شانغاي، ولو نظرنا للأمر من جميع الزوايا سنجد أن الفائدة حاضرة للجميع بهذه الخطوة والقادم سيعمل التفاهمات ويمحو الخلافات والاختلافات.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية