تشو شيوان **
صادف يوم 20 مارس الذكرى الـ20 للحرب الأمريكية على العراق، وهنا نسأل: بعد 20 عامًا من الحرب، ما الذي تغير؟ وأين وصل العراق بعد كل هذا؟
في الحقيقة الوضع في العراق أسوأ بكثير مما كان عليه عام 2003، بعد الحرب أصبح العراق ملاذًا للجماعات المتطرفة، وأرضًا محروقة بعد أن كان العرب يتفاخرون بإرثهم في العراق والممالك العربية التي أقيمت هناك، والآن بعد الغزو الأمريكي باتت العراق كالأرض المحروقة من الصعب استصلاحها ومن الصعب العيش فيها، وكل هذا من أجل ماذا؟ من أجل الديمقراطية الأمريكية، أو ما تزعم الولايات المتحدة بأنه الديمقراطية!!
الحرب الأمريكية على العراق كلفت العراق مليارات الدولارات ضمن المقدرات المنهوبة أو المتضررة من الحرب أو حتى فاتورة إعادة الإعمار الذي لم يتم حتى الآن بشكل فعال وملموس. ودعونا نتحدث عن الأرقام، فحسب التقارير هناك ما يقارب 200 ألف إنسان راح ضحية الحرب بشكل مباشر، ناهيك عن الآلاف ممن تعرضت حياتهم للإساءة والخراب والدمار ولم تذكرهم الإحصائيات ولم تذكرهم الأرقام، والتي تقدر حسب التوقعات بما لا يقل عن مليون إنسان عراقي منهم الأطفال والنساء.
وأبرز ما تغير خلال الـ20 عامًا هو نظرة العالم للديمقراطية الغربية بكافة أشكالها ومناهجها، وبعد أن فشلت هذه الدعوات في العراق وأفغانستان، أصبحت الديمقراطية أضحوكة يتناولها أفراد الشعوب قهرًا على حالهم وأحوالهم، والمآل الذي وصلت إليه بلدانهم بعد التدخلات الغربية في شؤونهم وتقويض أمنهم وسلب مقدراتهم، وليس العراقيون ولا حتى الشعوب العربية هم وحدهم من تغيرت نظرتهم للديمقراطية؛ بل أيضًا هناك مناشدات غربية بدأت بالظهور لتهاجم الحرب على العراق وتصفه بالقرار الكارثي الذي أدى لوجود جماعات إرهابية في العراق وتدهور أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية حتى يومنا هذا.
في مقال نشر قبل أيام في صحيفة "تايمز" البريطانية للكاتبة كاثرين فيليب، وصفت فيه معاناة أطفال العراق ممن قضوا أوقاتًا صعبة تحت الإنقاض أو تحت القصف أو حتى التشرد خارج منازلهم مع وجود الجماعات الإرهابية وانعدام الاستقرار وسوء المعيشة وتردي الخدمات الصحية والإنسانية وحتى المعيشية ناهيك عن قسوة الظروف الاقتصادية وتدني فرص العمل وانهيار الاقتصاد بشكل كامل، وكأن لسان حال أطفال العراق يقول: ماذا جلبت لنا الديمقراطية الأمريكية سوى الدمار والخراب، وإذا نظرنا إلى الأمر بعين الحقيقة فسنجد أنهم على حق في ذلك.
بعد 20 عامًا فقدت العراق بريقها ونضارتها كدولة لها تاريخها في المنطقة ولها تاريخ مرتبط بالحضارة العربية، وحديثا ارتبطت العراق بكثرة مواردها سواء النفطية أو حتى الطبيعية ولكن كل هذا لم يشفع للعراق أمام الغزو الأمريكي الذي برر جريمته بأن هناك أسلحة دمار شامل في العراق، واليوم وبعد كل هذه السنوات لم تخرج لنا لا الولايات المتحدة ولا حتى الحلفاء بلدليل قاطع على وجود هذه الأسلحة بينما تعج وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت بصور للمقدرات المنهوبة من العراق.
إن الحرب الحقيقية التي طالت العراق ليست هي تلك الصواريخ ولا القذائف والقنابل التي رميت بها أرضها إنما بالانقسامات الشعبية والعرقية والسياسية التي لم تستطع المصالحة فيما بينها طيلة هذه السنوات ولم تجتمع تحت سقف واحد لتبني العراق من جديد، فالسياسة الغربية كانت واضحة في حربها أن تخلق الانقسامات وخلق المشاكل حتى لا تقوم قائمة للعراق، وتبقى تحت السيطرة الأمريكية باسم الديمقراطية وباسم الحرب على الإرهاب.
الـ20 عامًا الماضية لم تؤذِ العراق فقط؛ بل جعلت منطقة الشرق الأوسط أكثر سخونة وأكثر مشاكل ونزاعات وأدخت العديد من البلدان في أوقات عصيبة ومريرة جراء الحرب على العراق، ومن يراقب الأوضاع في المنطقة يعلم جيدًا أن الحرب الأمريكية على العراق غيرت الكثير من الأمور في المنطقة وجعلتها بؤرة ساخنة للجماعات الإرهابية بعد تدني الاستقرار والأمن، ولهذا يمكننا القول إن القرار الأمريكي كان خاطئا بكل المقاييس ولم يأتِ لا للعراق ولا للمنطقة ولا حتى للعالم بأي نقطة إيجابية.
في هذه الذكرى، لا يمكننا إلا أن نتمسك بالموقف الصيني الرافض للعنف والحرب في أي حالة من الأحوال، والداعي للسلام والاستقرار وفتح المجال للدول للتعاون والتشارك. واليوم، وبعد الحرب تساهم الصين في إعادة إعمار العراق وصيانة مقدراته وتوفير سبل الحياة الكريمة من خلال المشاريع الاقتصادية ومشارعي البنية التحتية التي تقيمها الشركات الصينية في العراق، وبوجهة نظري هذه هي الديمقراطية التي يريدها أبناء العراق، أين يجدوا سبل الحياة الكريمة وليس شعارات غربية مليئة بالعار والدماء.
وبعد كل هذا نتمنى للعراق السلام والتنمية والاستقرار وأن تخرج من عباءة الحرب والعودة كجزء من بلاد العرب التي تحمل حضارتهم وتاريخهم، ونتمنى لأطفال العراق أن يجدوا الأمل بالمستقبل؛ الأمل الذي سلبوه جراء الحرب، ونتمنى أن لا نجد مثل هذه الخطوات غير المدروسة من قبل الولايات المتحدة تجاه أي دولة في المستقبل لا العراق ولا غيرها؛ فالعالم ذاق الويل والويلات من مثل هذه التدخلات، وحان الوقت لنقول كفى!
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية