الجديد المثير على خط "مسقط - صلالة"

د. عبدالله باحجاج

عندما يحدثُ عدم الوفاء بالرحلات مرتين؛ الأولى من صلالة إلى مسقط فجرًا، والثانية العودة إلى صلالة منتصف الليل، فهذا مؤشر على وجود إشكالية في المواعيد على الأقل في فترتي الفجر ومنتصف الليل، وما صاحب هذه القضية من تفاصيل يُثيرها أكثر من قضية الإلغاء.

من روى هذه التفاصيل أسرة درجة قرابتها مني الدرجة الأولى، عانت الأمرين في رحلتها لمسقط، ففي الأولى ذهابًا، تفاجأت هذه الأسرة باتصال من الهند، وبريد إلكتروني من مسقط، يُبلغها بإلغاء هذه الرحلة في منتصف ليل 16 مارس 2023، وتحويلهم لرحلة الصباح الساعة التاسعة. وهنا التساؤل، لماذا من الهند؟! وهذا التأجيل ترتّبت عليه أضرار باستحقاقات المواعيد الزمنية والتي بسببها تم اختيار رحلة منتصف ليل ذلك اليوم. وهنا تبرُز أهمية الصدقية في الالتزام بالمواعيد، لأنه يُبنى عليها قرارات ومواعيد، وقد تتضرر في حالة عدم الالتزام بها.

وفي الثانية كان الضرر أكبر، فقد تم إلغاء رحلتها رقم wy0901 وتقديمها للساعة الثامنة من تاريخ 23 مارس الجاري، دون إبلاغهم باتصال أو بريد إلكتروني؛ سواء من مسقط أو الهند، ربما كان المُبلِّغ في الهند نائمًا حسب فارق التوقيت، وفي المطار حاول مصدر للطيران العماني جبر الضرر، لكنه لم يكن كاملًا، فكل ما حصلوا عليه إعادة حجز عودتهم التاسعة صباحًا، أي اليوم التالي مع الرفض المطلق لمنحهم حق السكن في الفندق على نفقة الشركة، بحجة عدم وجود مثل هذا التعويض على الرحلات الداخلية وفق قانون الطيران العماني.

ومفهوم الرحلات الداخلية قد أصبح متطورًا، فلن نجد ما يُميِّز الرحلات الخارجية عن نظيرتها الداخلية؛ سواء في الأسعار أو مسافة الرحلات، ففي الأولى قد تصل الأسعار إلى 100 ريال. والبعد الآخر، نجده في أكثر من ألف كيلومتر تفصل العاصمة مسقط عن ظفار، فحجة الشركة التي عبّر عنها المسؤول في المطار غير مقبولة، والأهم هنا، هو كيف نُحمِّل المسافر خطأ الشركة المزدوج- إلغاء الرحلة وعدم الإبلاغ- ونتركه مع أسرته عالقًا في المطار لفترة قد تصل ليوم كامل؟ وظروف الأسر متباينة، فهناك من اتصل بأقربائه المسقطيين، وتم استضافتهم في منازلهم، وهناك من اضطر لدفع فاتورة إضافية للفندق ولأجرة التاكسي.. لكن من لم يكن له أقارب مسقطيين أو لا تتوافر له سيولة مالية لتمديد إقامته ليوم آخر، فما مصيره؟!

لن يتمكن من قضاء اليوم أو الساعات الطويلة داخل المطار بين مطاعمه وأسواقه إلا بعد استخراج بطاقة صعود الطائرة له، وهنا سيضطر أن يجد له مكانًا في أروقة المطار الخارجية، أو يتخذ من المسجد القريب من المطار مكانًا لقضاء الوقت، وقد حدث، ويحدث حتى في الأحوال الاعتيادية، فخط مسقط وصلالة بما فيه من ثقل مالي على الأُسر ليس بجديد؛ بل قديم، لكن الجديد هو تأزم الأوضاع الاجتماعية بعد التقاعد الإجباري، وبعد الضرائب والرسوم ورفع الدعم الحكومي في ظل تصاعد غلاء المعيشة.

وهنا القهر السيكولوجي للأسر محدودة الدخل، وقد لمسناه في سيكولوجيات الأسر سالفة الذكر، فلم يكتف بسعر التذكرة المرتفعة ومصاريف السكن والأكل والتاكسي، والتي تثقل المرتبات والمعاشات الضعيفة والمحدودة، حتى تأتي قضية عدم الالتزام بمواعيد الرحلات، وتحميل الأسر مصاريف إضافية نتيجة خطأ من الشركة وليس منها، ويزداد القهر حدة عندما يقال لك ميدانيًا "ليس لكم فندق هذا قانون الطيران العماني"، فما عليك إلا أن تقول سمعًا وطاعة حتى لا تفقد أعصابك.

وبديهيًا أن الخطأ يتحمله مُسببه، لا المتضررون منه، وعدم الاعتداد بهذه القاعدة يعني أننا في حقبة الأقوى الذي يفرض شروطه على الضعيف، وعلى هذا الأخير اللجوء إلى القضاء أو يقبله على مضض، وليس الكل بمقدوره تحصيل حقوقه عن طريق القضاء، المواطن هنا الأضعف، ويتعمق ضعفه بمثل هكذا ممارسات. كما أن للقضية جوانب أخرى، أبرزها، أنها لا تعبِّر عن مستوى الاحترافية التي ينبغي أن يكون وقد وصل إليها ناقلنا الوطني بحكم تجربته الطويلة.

نطالب القيادة العليا لشركة الطيران العماني بفتح هذا الملف لمعرفة أسباب الإلغاء وعدم الإبلاغ لتجنب عدم التكرار، والإجابة على تساؤل: لماذا الهند؟ وإذا ما تكرر الخطأ ينبغي تحميل المسؤولية للشركة، لا المسافر؛ فالأوضاع الاجتماعية لن تتحمل أعباءً مالية جديدة، والسيكولوجية الاجتماعية قد وصلت إلى القمة من خط "مسقط- صلالة"، فلا تساهموا في إضافة مفاصل احتقان جديدة، نتمنى الاعتراف بالخطأ، والاعتذار عنه، وتعويض تلقائي للمتضررين من هذه الرحلة، وهذا أبسط حقوقهم، إلّا إذا كان كل ذلك يدخل في سياق سياسات الشركة، ولا رجعة عنها، عندئذ ستكون الكرة في الملعب الاجتماعي.