مآلات وخواتيم وانتهاءات!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

 

"إن الثورات يُدبّرها الدهاة وينفذها الشجعان ثم يكسبها الجبناء" نجيب محفوظ.

*******

علم التاريخ ليس بالعلم الهين الذي بالإمكان تجاوز مُحدداته أو نقاطه أو تقاطعاته الواضحة والمبهمة في آنٍ؛ فالتاريخُ تمهيدٌ لبدايات أحداث، تتحول بياناتها إلى مآلاتها، وتترصد خواتيمها أقلام المؤرخين، وتتشبث بإنتهاءاتها عقول المفكرين ودوافع المحللين، وتنسجم مترابطاتها مع المع والضد والمتفق والمناقض، والواضح والغامض، والمتربص والمترصد، فالتاريخ هو حدث يولد أحداثاً تنتج جدلا وتفرز إشكاليات كثير منها مايزال الحبر يكتبها، والعقول تتفكر بها.

من أهم خاصيات علم التاريخ هو التعريفات لعناصر الحدث المزمع كتابته، في هذا البند بالضبط تنشأ معركة غير مباشرة ولا معركة داحس والغبراء!

تعريف العنصر في الحدث مشكلة المشاكل في تأريخ الحدث- أي حدث- وهنا بالذات أقصد الأحداث التي ولدت أمورا أثارت الجدل، واختلف العامة حولها، لاشك أني أقصد تعريف ماهية العنصر في تدوين الحدث التاريخي، فأضع لك مثلا لتقريب الفهم، في الثورة الإنجليزية عندما ثار البرلمان سنة 1688 على الملك جيمس الثاني، وقرر رجال البرلمان والسياسيون المعارضون للملك في تلك الحقبة الزمنية مخاطبة ابنته ماري وزوجها ملك هولندا وليم أرانج يدعونه للمجيء إلى إنجلترا وتسلم العرش مع زوجته ماري، وفعلاً نزل أرانج على الشاطئ الإنجليزي وهوعلى رأس جيش، ولم يواجه مقاومة تذكر لأنَّ معظم القادة الإنجليز انضموا إليه، وأساسا كان مجيئه تحصيل حاصل بعدما آلت إليه ظروف البلاد آنذاك، مما قاد الملك جيمس الثاني وماحصل بعد ذلك حينما لجأ الملك جيمس الثاني إلى عزلة رهيبة جعلته يهرب ويُغادر إلى فرنسا حيث صديقة المقرب لويس الرابع عشر.

ما سبق حدث تاريخي/ سياسي ما زال ضمن الحوارات التاريخية، وما زالت المقالات تكتب والكتب تصدر بشأن هذا الحدث المهم لتأريخه وتحليله، بالطبع سبب ثورة البرلمانيين والسياسيين المعارضين هو بحسب ظنهم تخطي الملك جيمس الثاني خطوطاً تعتبر في عرف النخبة السياسية حمراء، ومن أهم الأمور التي جعلت السياسيين يتحدون ضد الملك، تبني الملك سياسة ذات ثلاثة أسس: الكاثوليكية (تبني الملك قانونًا يسمح للكاثوليك بالمشاركة بالحياة العامة السياسية)، والحكم المطلق (أن الملك يستمد قوته من الله وهو مسؤول أمام الله وليس للشعب أن يحاسبه)، والتعاون مع ملك فرنسا لويس الرابع عشر. وهذا التعاون لاقى اعتراضًا شديدًا في الداخل الإنجليزي.

ولو أردنا تفكيك الحدث المذكور فما النقاط المثيرة للجدل؟ أولًا قيام السياسيين والبرلمانيين المعارضين بمخاطبة ماري ابنة الملك وزوجها ملك هولندا ودعوة ملك هولندا للمجيء وحكم إنجلترا! وثانيًا: انضمام أو مباركة القادة العسكريين الإنجليز لقدوم الملك أرانج وزوجته.

هنا سنقف أمام أسئلة متغيرة الاتجاه: هل البرلمانيون والسياسيون كانوا في حالة انقلاب على الملك؟ هل كان القادة العسكريون خونة للبلاد عندما انضموا للملك أرانج وماري؟ هل معقول إنجلترا بعظمتها تسلم حكمها لملك هولندا وبمباركة كبارها؟

أسئلة كثيرة، والأجوبة كل جواب قد يكون كتابا لوحده، لذلك طبيعي جدًا تتغير التحليلات، والتوقعات، حول هذا الحدث المثير للجدل، إنما يبقى الحدث نفسه واقعًا لا مفر من الاعتراف به.

للأمم العظيمة تاريخ تزدحم به الأحداث المفرحة والمحزنة، المعقولة وغير المعقول، أمم بادت وانتهت وأصبحت جزءا من صفحات في كتب التاريخ وأمم مازالت تسطر التاريخ وبحسب مساراتها ومستوياتها.

لكن هل تعتقد أن التاريخ يُعيد نفسه، وأن ما جرى في إنجلترا قد يحدث في بلاد غيرها، وإنْ كانت بتفاصيل مختلفة، لكنها متشابهة في الخطوط العريضة.. صدقني كل شيء يصير ويحدث.

حمى الله بلادنا من كل شر.