أزمة المنطاد الصيني.. تسرع واستنتاج

 

تشو شيوان **

أثارت قضية المنطاد الصيني المدني الذي دخل أجواء الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام، أزمة جديدة بين الصين وأمريكا، خصوصًا بعد التعامل المتسرع والمبالغ فيه من قبل الولايات المتحدة مع منطاد مدني مخصص للأرصاد الجوية دخل الأجواء الأمريكية بسبب ظروف قهرية لا يمكن السيطرة عليها؛ لتأتي ردة فعل واشنطن بشكل مبالغ فيه؛ سواءً أثناء التحليلات الإعلامية وتصريحات المسؤولين هناك، وصولًا لأمر البيت الأبيض طائرة مقاتلة من طراز F-22 بإسقاط المنطاد المدني غير المأهول في الرابع من فبراير قبالة سواحل ولاية كارولاينا الجنوبية.

فهل منطاد مدني يحتاج لطائرة حربية لتسقطه، إلا لو كان الأمر مبالغًا فيه؟

في الحقيقة ليس الجانب الصيني وحده من استغرب مثل هذا التصرف؛ بل العالم بأكمله مما هزَّ مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى، وتساءل البعض عن سبب هذا التهويل والخوف الذي أحدثه منطاد بقوة عظمى؟!

ردة فعل واشنطن لم يكن مبالغًا فيه فقط فيما يخص عملية إسقاط المنطاد؛ بل سبق ذلك أن ألغى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، زيارة كانت مقررة إلى بكين في اللحظات الأخيرة، وخصوصًا أن الزيارة كانت مرتقبة لبناء تفاهمات ودية بين البلدين. وبصرف النظر عن حجم تأثير هذه الحادثة على العلاقات بين البلدين، لكن هناك تأثير واضح، فقد قال نائب وزير الخارجية الصيني شي فنغ- في بيان- إن "الأفعال الأمريكية أثّرت وأضرّت بشدة بجهود الطرفين وتقدُّمهما من أجل إرساء استقرار في العلاقات الصينية الأمريكية منذ اجتماع بالي" بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ في نوفمبر العام الماضي.

ليس من المنطق أبدًا تصديق الرواية الأمريكية بأن غرض المنطاد الصيني هو التجسس، خصوصًا وأن استخدام المناطيد في عمليات التجسس طريقة عفا عليها الزمن وكانت تُستخدم إبان الحرب العالمية، واليوم ونحن نعيش في عالم الفضاء والأقمار الاصطناعية، فلا وجود لمثل هذه الأدوات البدائية لتستخدمها الصين في عمليات التجسس، فلا منطق ينسجم مع هذه الرواية، ولا عقل يمكنه تصديق مثل هذا الأمر، خصوصًا وأن الشركة الصينية التي أطلقت المنطاد قد نشرت فيديوهات وتوضيحات عدة عبر موقعها الإلكتروني وأظهرت مقاطع فيديو التقطها أكثر من منطاد في رحلات سابقة عبرت الأجواء الأمريكية وأجواء بلدان أخرى، وهذا يؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن متزنة في قرارها وتعاطيها مع الأمر في هذه المرة.

نشرت صحيفة "آي" البريطانية مقالًا للكاتب باتريك كوكبيرن بعنوان: "رد الفعل المبالغ فيه على المنطاد الصيني جدّ خطير"؛ فبحسب صاحب المقال، كان في تلويح كل الأطراف في الولايات المتحدة بقبضات مولعة بالقتال وغير مكترثة بالاندفاع لحرب يمكن أن تشهد تبادلًا في استخدام السلاح النووي. ويضيف باتريك أن مثل هذا التعامل مع موضوع لا يشكل أي تهديد على سلامة الولايات المتحدة، لا ينم إلا عن سوء تقدير للموقف وتصعيد كبير للتوترات العالمية، خصوصًا وأن العالم فيه من التوترات والأزمات الكثير والكثير.

الصين ومن موقفها وتعاطيها مع الأمر منذ البداية بنشر الحقائق حول المنطاد، وتعاملها المتزن مع الأحداث المتلاحقة لهذا الأمر يعبر عن عمق الاستراتيجية الصينية في عدم التصعيد والالتزام بمبادئ العلاقات الدولية خصوصًا أن الأمر مدني بشكل كامل ولا علاقة له بأي أغراض لا سياسية ولا حتى عسكرية، ومن خلال توضيحات الحكومة الصينية طيلة هذه الفترة كان يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل بشكل أسلم وأفضل من إرسال طائرة مقاتلة لإسقاط المنطاد.

المؤكد أن الصين تحتفظ بحق ردها على الحادثة، وستضبط النفس أمام توترات من هذا النوع، وقد تعاملت الصين بذات المبدأ في الكثير من الأحداث المشابهة أو ربما كانت أصعب وأكبر من هذا كله، وأعتقد أن الصين وللمرة الألف تبرهن على أنها راعية سلام لا حرب، وأن ردة فعلها عقلانية ومبنية على أسس وأطر منهجية ومؤسسية نابعة من دولة تتحمل المسؤولية العالمية وتتحمل مخاطر التصعيد العالمي وتأثيره على الكثير من مناحي الحياة عالميًا.

في النهاية.. لا يسعنا إلا أن نأمل من القادة الأمريكان أن يستشعروا المسؤولية بعدم التصعيد لا مع الصين ولا مع أي دولة في العالم، فنحن نعيش في عالم واحد وعلينا أن نتحاور لتحقيق مصالحنا المشتركة في ظروف صعبة ومتوترة يعيشها العالم منذ سنوات، وأيضًا نؤكد أن المواقف الصينية دائمًا ما تكون متزنة؛ لأن قراراتنا الصينية مبنية على عمل مؤسسي واضح يسعى للتنمية والسلام العالمي.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية