عيد الربيع الصيني.. أساطير وحقائق

 

تشو شيوان **

 

يُعتبر عيد الربيع الصيني أهم عيد تقليدي لدى الصينيين، وجزء لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الصيني وهو عيد لم الشمل؛ حيث يحرص الصينيون على قضاء أوقات خاصة رفقة أسرهم وعائلاتهم، وتختلف الكثير من الأقاويل حول العيد وطقوسه والأساطير المرتبطة به، ولأنَّ عمادنا في هذا الطرح التعريف بالصين وبالثقافة الصينية بالمقام الأول أردت تناول حقائق وأساطير ومعانٍ ودلالات وطقوس مرتبطة بعيد الربيع من خلال هذا المقال.

منذ أربعين عامًا بدأت مجموعة الصين للإعلام بإنتاج برنامج السهرة التلفزيونية الأكثر شهرة في الصين "سهرة عيد الربيع" وأصبحت فيما بعد أحد الطقوس الصينية التي تعاد كل عام، حيث تجتمع العائلات الصينية لمُشاهدة السهرة عشية رأس السنة الصينية أثناء تناولهم العشاء والاحتفال برأس السنة الجديدة، وتضم السهرة برامج مُتنوعة، تشمل الغناء والرقص والأوبرا وعروض الكونغ فو والأكروبات والعروض الموجهة للأطفال، بالإضافة لعروض من جميع أنحاء الصين ونقل جميع أجواء الاحتفالات بين مختلف المُقاطعات الصينية.

سهرة عيد الربيع يتابعها سنويًا أكثر من مليار شخص، وتعتبر واحدة من أهم السهرات التلفزيونية عالميًا وبدأت تحظى بشعبية واسعة في الكثير من دول العالم، والعديد من مدن العالم تنقل السهرة عبر شاشاتها الضخمة أو مسارحها على الهواء مباشرة لتصل لجميع الصينيين في جميع أنحاء العالم، حيث إنها تجلب لهم الدفء والفرح وتأخذهم لأجواء الاحتفال في الوطن الأم، وبخلاف الصينيين فهناك مئات الآلاف من الناس من مختلف البلدان يتابعون السهرة للتعرف على العروض الجميلة، ومؤخرًا بدأت مجموعة الصين للإعلام بتقديم نسخ من السهرة بلغات مختلفة منها العربية والإنجليزية، وهذا يساعد في تعريف العالم بالثقافة الصينية، فمعظم الفنون الصينية تقدم من خلال السهرة ممزوجة بالحداثة وبالتطور سواء على مستوى التقنيات المستخدمة من تكنولوجيا وأيضًا في طريقة العرض والسرد.

من أكثر الأسئلة التي تخطر في بال الكثيرين لماذا يسمى عيد الربيع رغم أنه يأتي في الشتاء، ويقول الصينيون القدماء في هذا الأمر إن الخطة السنوية لإكمال الأعمال يجب وضعها في موسم الربيع، لأن الربيع هو الموسم الذي تستهل به السنة الجديدة وخاصة بالنسبة إلى الإنتاج الزراعي في الصين، حيث نعرف أن الصين دولة زراعية كبيرة والربيع هو موسم البذور، فيعلق الناس آمالهم على تحقيق الحصاد الوفير، والسلامة، والسعادة، والنجاح بالسنة الجديدة، ولهذا تم تسمية العيد بعيد الربيع تمنيا للخير والحصاد، وعلى أنه بداية سنة جديدة من الآمال والأحلام.

أما عن موعد رأس السنة الصينية وعيد الربيع فيقام رأس السنة الصينية الجديدة وفقا للتقويم القمري وليس للتقويم الشمسي، والتقويم القمري دائمًا يتأخر عن التقويم الشمسي قرابة شهر، ولهذا يأتي رأس السنة الصينية الجديدة في يناير أو فبراير كل عام، ويتم اعتبار عيد الربيع بداية من أول أيام السنة الجديدة.

لقد اختطلت تقاليد الاحتفال بعيد الربيع بين الماضي والحاضر، وخلال أيام عيد الربيع تقام أنشطة احتفالية وترفيهية في كل أنحاء الصين، ويتم تزيين الميادين والشوارع والحدائق وحتى البيوت بزينة العيد والتي عادة ما تكون باللون الأحمر حيث إن اللون الأحمر هو لون مبارك في الثقافة الصينية، وقبل عطلة عيد الربيع الصيني يقوم الصينيون بتنظيف وتزيين البيوت وشراء الأغذية والأطعمة، وعند عشية رأس السنة الصينية الجديدة، وهو أهم يوم خلال عطلة عيد الربيع الصيني، يعود الصينيون إلى بيوتهم ويجتمعون مع أفراد أسرهم ويأكلون ويشربون معًا في أجواء احتفالية، وأعتقد أن هذا الأمر مشابه للثقافة العربية في عيد الفطر وعيد الأضحى.

وتعد "جياوتسي" من الأطعمة الرئيسية خلال عيد الربيع الصيني، وهي عبارة عن طبق تقليدي مصنوع يدوي من عجينة محشوة بالخضروات واللحوم،  وهناك طعام آخر ضروري أثناء عيد الربيع الصيني وهو السمك، والذي يرمز للأمنيات بتحقيق الثراء عاما بعد عام، ولهذا يحرص الصينيون على تناول السمك عشية رأس السنة الصينية.

أما عن سبب تسمية الأعوام الصينية بأسماء الحيوانات، فهناك قصة أسطورية حول ذلك، ففي الماضي كان الصينيون القدماء يشعرون بصعوبة في ذكر عام محدد، فقرر الإمبراطور إقامة سباق مسافة طويلة بين الحيوانات لاختيار اثني عشر حيواناً، وتسمية الأعوام الصينية بأسمائها وفقا لنتائجها في السباق، وكانت الحيوانات المشاركة ومرتبة حسب نتائج المشاركة هي الفأر، والثور، والنمر، والأرنب، والتنين، والأفعى والحصان، والخروف، والقرد والديك، والكلب، وهناك مفارقة طريفة في هذا الأمر حيث إن القط والفأر كانا صديقين حميمين في ذلك الوقت، ولكن أثناء السباق، خدع  الفأر القط، وفشل القط في هذا السباق ولهذا تم استبعاد القط من الأبراج أو الأشهر الصينية، وبعد ذلك، أصبح القط عدوا للفأر حتى الوقت الحالي، والجدير بالذكر أن هذا العام هو عام الأرنب والذي يرمز إلى الإيجابية، وطول العمر، والذكاء، والرشاقة، واللطف، والقدرة على حماية النفس.

عيد الربيع هو واحد من أهم التقاليد الصينية، ونافذة هامة للتعرف على الصين وتاريخ الصين وحداثة الصين، وطريقة معيشة الشعب الصيني وعاداته وتقاليده، حيث إن الأعياد بطقوسها واحتفالاتها ما هي إلا فرصة للتعرف على تقاليد الشعوب، وعيد الربيع بالنسبة لنا هو نافذة على تاريخنا وبوابة للتعرف على إرثنا وموروثنا الحضاري.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية