التمريض

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

 

مهنة التمريض مهنة سامية ونبيلة، وهي مكملة لمهنة الطب؛ فالممرضون هم سند الأطباء، يقدمون جهودًا كبيرةً لخدمة المرضى ويعملون لساعات طوال بعيدًا عن أسرهم وذويهم سعيًا منهم لتخفيف آلام المرضى ولتحقيق الراحة التامة- نفسيًا وبدنيًا- ولتوفير البيئة الصحية المناسبة لهم لتسريع شفائهم مما يعانونه من أمراض؛ ليمنحوهم بذلك أملًا جديدًا في الحياة.

والعاملون في قطاع التمريض "ملائكة الرحمة" هم أمل المرضى؛ يصنعون الابتسامة والبهجة والسرور في نفوسهم؛ وينشرون الطمأنينة والحنان بينهم؛ ويمسحون دموع الألم عنهم، ويسهرون على راحتهم؛ ويتناوبون على خدمتهم ليل نهار ليأخذوا بأيديهم إلى بر الأمان.

وإيمانًا منهم بأهمية هذا العمل، وإدراكًا منهم للمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عواتقهم؛ وبأن عملهم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة وحياة الناس، وترسيخًا لمبدأ الإخلاص والتفاني في العمل؛ فقد جدوا واجتهدوا وثابروا وسهروا الليالي الطوال وضحوا بالوقت والمال من أجل أن يصبحوا ممرضين أكفاء، يليقون بهذه المهنة.

كما تلقوا المعارف الصحيةـ نظريًا وعمليًاـ في مؤسسات علمية رائدة في السلطنة أو خارجها لتدريبهم وتأهيلهم ورفع كفاءتهم وصقل مهاراتهم وتنمية مواهبهم في مجال التمريض، ولكن عندما التحقوا بالوظيفة وجد بعضهم نفسه في بيئة عمل غير مُريحة؛ بل ربما متعبة لحدٍ لا يُطاق، وبعضهم يتولد لديه- مع مرور الوقت- شعور بأنَّ هذه المهنة بيئة طاردة لموظفيها، تدفعهم دفعًا للهروب منها؛ فمستوى الرضا الوظيفي لديه وصل إلى درجات متدنية جدًا، فيدفعهم هذا الوضع نحو السعي سعيًا حثيثًا من أجل تغيير مسمياتهم الوظيفية أو الانتقال- على أقل تقدير- من الأقسام التي يطبق فيها العمل بنظام المناوبة إلى أقسام أخرى يكون فيها العمل خلال ساعات الدوام الرسمي فقط حيث الاستقرار الوظيفي؛ والانتظام في العمل في قسم واحد فقط، وآخرون- وخصوصًا الممرضات- يحسبون الأيام والليالي والساعات المتبقية لهم قبل أن يمكنهم النظام من التقاعد المبكر.

إن إحساس الممرض بعدم الرضا الوظيفي يؤثر سلبًا على كفاءة الأدوار الوظيفية التي يقوم بها، كما أن ذلك يؤثر على جودة العمل الذي يقدمه مما ينعكس سلبًا على صحة الفرد والمجتمع؛ وربما يؤدي هذا الأمر إلى نتائج أسوأ من ذلك بكثير.

ويمكننا أن نعزو شعور الممرض بعدم الرضا الوظيفي إلى عدة أسباب أهمها عدم الاستقرار في ساعات الدوام؛ حيث نجد نظام المناوبة المقسم لثلاث فترات خلال اليوم الواحد نظام مُتعب للممرض نفسيًا وبدنيًا، وخصوصًا على فئة الإناث ـ عندما تكون المناوبة ليلية ـ التي تركت خلفها بيتا وزوجا وأطفالا صغارا وربما أحدهم رضيعًا، وآخر يحتاج لرعاية خاصة؛ تركتهم بين يدي عاملة المنزل، فمن أين يُمكنها أن تأتي بتركيز وانتباه وحضور ذهني متكامل في عملها إذا كان نصفها في المستشفى والنصف الآخر في البيت.

وسبب آخر يتمثل في المشاوير الطارئة التي يطلب فيها من الممرض فجأة مرافقة مريضٍ ما لمؤسسة صحية أخرى وربما تكون هذه المؤسسة بعيدة جدًا عن مكان إقامته، وربما يكون الوقت غير مناسب للممرض، وإذا أسندت المُهمة لممرضة فتكون المهمة شبه مستحيلة بسبب طبيعة المسؤوليات العائلية التي تتحملها إلى جانب وظيفتها، مما يضطرها إلى ترك بيتها وأطفالها الصغار ممن يحتاجون لرعاية خاصة لفترات طويلة.

ومن الأسباب الأخرى الضغط الكبير في العمل حيث تجد الممرض لا يجد متنفسًا لأخذ قسط من الراحة خلال ساعات عمله وخصوصًا في المستشفيات الكبرى الموجودة في مراكز الولايات ذات الكثافة السكانية العالية، مما قد ينذر بوقوع أخطاء طبية، أو أخطاء دوائية تؤثر سلبًا على صحة المرضى، وربما تقضي على حياتهم باعتبار أن مجال عملهم مرتبط ارتباطا وثيقا بصحة وحياة الناس.

فما المانع من جعل مهنة التمريض بيئة جاذبة؟

فكلما كانت بيئة العمل للممرضين بيئة مريحة ومساعدة للعمل كلما أبدع الممرض في القيام بمهامه الوظيفية؛ مما يكون له الأثر الإيجابي على الصحة العامة للفرد والمجتمع.

ومن الحلول المقترحة لجعل مهنة التمريض بيئة جاذبة؛ تفعيل نظام الحوافز والمكافآت والعلاوات المالية وزيادة أيام الإجازات.

فعلى سبيل المثال يسن تشريع وزاري- على مستوى وزارة الصحة- يتضمن بندين رئيسيين أولهما: يقضي باستحقاق العاملين في الأقسام بنظام المناوبة لإجازات أكثر من أولئك العاملين في الأقسام التي يكون فيها العمل خلال ساعات الدوام الرسمي فقط. والبند الآخر يقضي بحصولهم على علاوة مالية ثابتة تضاف إلى رواتبهم الشهرية نظير تبرعهم للعمل بهذا النظام.

وللتغلب على عزوف الممرضين أو على الأقل شعورهم بالامتعاض وإحساسهم بعدم الرضا الوظيفي عندما يكلفون بمرافقة مريضٍ ما إلى مؤسسة صحية أخرى يتم صرف مبلغ مالي مجزٍ يتم تقديره حسب بعد المسافة مع مُراعاة وقت الذهاب في ذلك؛ فالمشاوير في الفترة النهارية تختلف عن المشاوير في الفترة الليلية.

ولإيجاد حل مناسب لضغوط العمل التي يعيشها العاملون في قطاع التمريض؛ يجب زيادة عدد الممرضين العاملين في المؤسسة الواحدة بحيث يقلل من ضغط العمل عن الممرض ليتمكن من أداء مهامه الوظيفية على أكمل وجه وبأريحية تامة؛ ولضمان تقديم خدمات صحية ملائمة للفرد والمجتمع.