محمد بن حمد البادي **
في المقال السابق الذي حمل عنوان "وآتوا الزكاة"، أشرنا إلى أن الزكاة- كركن من أركان الإسلام- لها جملة من الآثار الاجتماعية والاقتصادية على المجتمع المسلم، كما ذكرنا بعضًا من القيم والآداب التي تغرسها في نفس مؤديها ومتلقيها.
وفي هذا المقال نتطرق إلى بعض الممارسات أو المفاهيم المرتبطة بالزكاة والتي قد يختلط على البعض فهمها.
أولًا: قد يتحدث أحدهم عن الزكاة؛ فيقول: أنا- ولله الحمد- تصدقت بما فيه الكفاية، وأنفقت من مالي أكثر بكثير من القدر الذي يبرئ ذمتي، فلي في كل ليلة جمعة من كل أسبوع- على سبيل المثال- صدقة معلومة أخرجها كطعمة للفقراء والمساكين والمحتاجين، وساهمت هذا العام في بناء عدد من الجوامع والمساجد، وساعدت جاري الفقير في بناء منزله، وسددت عن قريبي المسكين فواتير الكهرباء والماء، وساهمت في فك كربة عدة مرات، وأعطيت كذا، وأنفقت كذا، أوليس كل هذا البذل والإنفاق يجزئ عن الزكاة؟
نعم أخي العزيز؛ جزاك الله خيرًا وتقبل الله منَّا ومنكم الصدقات، وبارك في مالك وأولادك، ولكن ربما اختلط عليك الأمر بين الزكاة والصدقة، أو ربما ظننت أيها المتصدق- رعاك الله- بعدم وجود فروقات بينهما، وظننت أن إنفاق الصدقة يجزئ عن إخراج الزكاة.
نستطيع القول إن الزكاة والصدقة وجهان لعملة واحدة؛ وهما وجهان للإنفاق ابتغاء وجه الله تعالى. لكن هناك فروقات بين الصدقة والزكاة، ينبغي أن لا يغفل عنها كل مُريدٍ للخير؛ فالصدقة- وفق ما أشار إليه الشرع- لا تجب في مال مخصوص، بل يصح إخراجها من كل ما يُمكن الانتفاع به، وبأي قدرٍ يشاء مؤديها، وليس لها شروط مخصوصة كالزكاة؛ فيمكن إخراجها في كل وقت وحين، وبأي كيفية، ومصارفها غير مخصوصة فيجوز إعطاؤها للمسلمين ولغير المسلمين، وبذلك تكون الصدقة أعم وأشمل من الزكاة.
أما الزكاة فلا تطلق إلّا على القدر الواجب فقط، وهي إخراج مال مخصوص، بشروط مخصوصة، يُصرف لجهات مخصوصة قررها الفقه الإسلامي.
والزكاة لا تجب في كل مال بل هنالك أموال خاصة تجب فيها الزكاة تسمى الأموال الزكوية كالذهب والفضة وسائر النقود الورقية والأنعام والثمار وغيرها مما حدده الشرع الحنيف.
وهناك فروقات عدة- تفصيلية وشرعية- بين الزكاة والصدقة، لا مجال للتطرق إليها في مقال واحد، وليس على من أراد التعرف عليها سوى طرق أبواب أهل العلم المتخصصين في هذا الشأن، كما أن لجان الزكاة المنتشرة في معظم ولايات ونيابات السلطنة متواصلة بشكل دائم مع المجتمع المحلي؛ وتقوم بدورها التوعوي لتوضيح كل الاستفسارات المتعلقة بالزكاة.
ثانيًا: يجتهد البعض- هداهم الله- اجتهادًا يقلّ له مثيل في جمع المال بأنواعه، يحرصون كل الحرص على أن يكون كسبهم حلالا، ولكن حين تحين الزكاة تضعف همتهم؛ وتقل عزيمتهم، فيتوانوا عن بذل أي جهد في توزيعها على مستحقيها بالشكل الصحيح، وكأنها صارت حملًا ثقيلًا جاثمًا على صدورهم ويريدون التخلص منه كيفما اتفق؛ وبأسرع وقت ممكن؛ فيسارعون في إنفاق هذه الزكاة على غير مستحقيها، بل إن الحال يصل ببعضهم إلى توزيعها بشكل عشوائي على المتسولين الذين يسألون الناس في المساجد والأماكن العامة؛ ثم يتبين بعد البحث والتحري أنهم أغنياء أو أنهم ليسوا ممن يستحق الزكاة.
هذا المال الذي شرفهم الله به لا بد أن يجتهدوا ويبحثوا عن أهله المستحقين له حسب الأسس الشرعية، فكلما وضعت الزكاة في موضعها الصحيح كان ذلك أبرأ للذمة وأعظم للأجر، وأدعى لتحقيق الحكمة الربانية التي من أجلها شرعت هذه الفريضة.
ثالثًا: نجد أنَّ زكاة أموال بعض المسلمين يحول عليها الحول قبل رمضان بأشهر، ولكنهم يؤخرون إخراجها حتى رمضان بقصد إدراك فضيلة الشهر المبارك؛ وهذا ليس من الصواب في شيء؛ فيجب على من وجبت عليه الزكاة أن يخرجها في وقتها إذا حال عليها الحول وبلغت النصاب.
رابعًا: هناك من يختزل الزكاة- وهي من أعظم أركان الإسلام- في بضعة ريالات، أو مجرد كيلة من أرز، أو كيسٍ من التمر، يتفضل بها رجلٌ غنيٌ ميسور الحال؛ وفقه الله لحيازة هذا المال، على رجلٍ بائسٍ فقيرٍ معدمٍ، ليسد بها جوعته أيامًا معدوداتٍ، تقل أو تكثر، وهذا بلا شك تصور زائف للزكاة، فالحكمة من مشروعيتها أسمى من هذا التصور الزائف، وأوسع من هذا المنظور الضيق، فهي في المقام الأول عبادة لله وحده، هو العليم الذي أحاط بكل شيء علمًا، الحكيم الذي لا يشرع شيئًا إلّا لحكمة ويحقق أحسن المصالح.
** عضو لجنة الزكاة بولاية صحم