محمد بن حمد البادي
استبشرَ الجميعُ خيراً بمنظومة قياس الأداء الفردي "إجادة"، وأنَّ لها ميزات لا مثيل لها، وأنها ستكون شفافة وعادلة وتحفظ حقوق الموظف، فلن تكون الترقيات بشكل جماعي؛ ولن تكون المكافآت بصورة عشوائية، ولن تكون الحوافز التي تُصرف للمجيد والمتميز والمبدع متساوية مع الاتكالي والمهمل والكسول والضعيف.
ولكن ما إنْ دخلتْ المنظومة حيزَ التطبيق الفعلي مطلع العام 2022م، إلا وانقسم الناس حولها بين مناصر ومناهض، وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض، وهذا الاختلاف في وجهات النظر ظاهرة صحية جدًّا، وما حدث من تباين في الآراء بين الفريقين (المناصر والمناهض) أمرٌ متوقعٌ منذ بدء المبادرة، فتطبيق أي نظام أو إجراء أو خطة جديدة لا بد أن يوجد لها فريق معارض في البداية.
الفريق المُنَاصِر لمنظومة قياس الأداء الفردي يرى أنَّها مناسبة جدا؛ لما لها من أهداف سامية في الرقي بمستوى الموظف الحكومي، وتجويد العمل المؤسسي، وهذا التوجه نابع من إدراكهم التام أنَّ الأمم والبلدان لا تُبنى بالعشوائية بدون أهداف أو خطط وإستراتيجيات، ولأجل تجويد الخدمات ورفع إنتاجية الموظف الحكومي فلابد من تحفيز المجتهد منهم، ومُعاقبة الكسول والاتكالي ومعطل مصالح العملاء والمراجعين؛ وذلك بإيجاد منظومة متكاملة تتسم بالشفافية والعدالة لتقييم أداء الموظف وفق أسس واضحة ومعايير دقيقة.
كما أنَّ المؤيدين للمنظومة يرون أنَّ لكل مجتهد نصيبًا، وأنه ليس من العدالة أن تكون المكافآت والحوافز والترقيات جماعية -كما كان النظام القديم- دون تقييم واضح، فيترقى المتميز والضعيف في نفس اليوم.
أمَّا الفريق المعارض للمنظومة، فلهم ملاحظات كثيرة لا يتَّسع لها مقال واحد، ولكن نذكر نماذج منها؛ فبعضهم يقول إنَّ نظام إجادة جاء لتحفيز الموظفين، ولكن لاحظنا العكس بسبب تحديد نسبة الامتياز، والآن سيتم خفض المعدل على الموظفين بسبب التضخم في ارتفاع الامتياز، هل وجدت إجادة لخفض المتميزين والمجيدين إلى معدلات أقل؟ وما هو شعور الموظف عندما ينزل من مرتبة ممتاز التي يستحقها إلى مرتبة أقل؟ أين التحفيز؟ وأين العدالة؟ وأين حفظ حقوق الموظف؟
وموظف آخر يقول: عندما يكون المسؤول المباشر لديه عدد كبير من الموظفين، ويفرض عليه النظام الانتهاء من تقييمهم في فترة وجيزة، تجد البعض منهم يعتمد أهدافاً لا تمتُّ بأي صلة للمهام الوظيفية للموظف، أو أهدافاً غير قابلة للقياس، أو أهدافاً سهلة التنفيذ، أو أهدافاً لا تحقق الرؤية العامة للمؤسسة، أو اعتماد الأهداف دون التدقيق عليها والتأكد من واقعيتها؛ وبالتالي تُخلق الفجوات وتغيب القدرات، فالضعيف يصبح مُجيداً والمُجيد يصبح ضعيفاً، وهذا التخبط بعينه.
وآخر ينظُر إلى منظومة إجادة باعتبار أنَّ الهدف منها ليس تحفيز الموظفين ولا زيادة إنتاجيتهم، ولا رفع مستوى جودة العمل، إنما السبب مالي بحت وهو تقليص الترقيات والتحكم فيها، فمع تأييدنا لوجود نظام إداري قادر على تحقيق العدالة لمن يستحق الترقية لاجتهاده ومثابرته والتزامه إلا أنَّ الضرورة تقتضي أولا منح الترقيات للدفعات التي لم تنل الترقية أسوة بزملائهم، فهذا حق أصيل للموظف؛ لا يسقط بالتقادم، فليس من العدالة أن من توظف عام 2010 -مثلاًـ حصل على الترقية مرة واحدة فقط طوال فترة عمله خلال 14 عامًا، وقس على ذلك أمثلة كثيرة جدًّا، ثم تأتي "إجادة" لتقول له بكل برود: "أيها الموظف المجتهد.. منك السموحة"؛ فالترقيات أصبحت تعتمد على قياس الأداء الفردي، نحن لا نعترض على ما قالته المنظومة، ولكن أين حقوقي السابقة أنا كموظف؟ أين الترقيات؟
وآخر يَرَى أنَّ من أبرز مساوئ المنظومة أنها تقيس أداء الموظف حسب الأهداف التي وضعها لنفسه، ولا تراعي طبيعة العمل؛ فمثلا "سين" من الموظفين يضع لنفسه أهدافاً واقعيةً واكثر إنتاجية، وطبيعة عمله تفرض عليه أن يكون غارقا في العمل "من ساسه لراسه" طوال اليوم، يقوم بمهام وظيفية إضافية (مشاركات خارجية وداخلية ـ إنماء مهني ـ انشطة ـ فعاليات ـ مبادرات... وغيرها الكثير)، بينما "صاد" من الموظفين يضع لنفسه الحد الأدنى من الأهداف بواقعية أقل بكثير من أهداف الموظف "سين"، يحققها بأقل جهد، وبطبيعة الحال أقل إنتاجية، وطبيعة عمله لا تفرض علية أداء أي أعمال أخرى إضافية إلى جانب وظيفته الأساسية، فهنا يجب على المنظومة أن تراعي كل الأمور بشمولية أكبر، لا بد أن يكون الجزاء على قدر العطاء.
وآخر يقول: إن كل ما نخشاه -إذا لم تتطور "إجادة" وتوجد واقعاً مشجعاً للتنافس في العمل؛ وإن استمر غياب الشفافية- أن لا نجد من الموظفين من يقوم بأعمال خارج تصنيفه الوظيفي: (لجان/ مشاريع/ مشاركات/ مبادرات/ أنشطة/ وغيرها..) والأهداف ستكون رتيبة، باردة؛ تحقق الحد الأدنى من العمل.. أهداف جوفاء؛ تخلو من الابداع؛ تفتقر للابتكار، ولن تكون "إجادة" إلا صفحة عمل روتينية، يملأ الموظف فراغاتها بدون أي مبالاة، لا تساعد في تطور مستوى كفاءة الفرد ولا تساعد المؤسسة في التحسُّن.
وآخر يقول: أخشى أن تفقد المؤسسات عطاءات متميزيها ومبدعيها بسبب التخبط واللاموضوعية والعشوائية التي تتضح في كل دورة، ناهيك عن منحنى توزيع النسب بين الموظفين وخفض عدد المتميزين إلى مرتبة جيد جدا أو ربما أقل، فهذا الظلم بعينه.. فلا تبخسوا الناس حقوقهم.
... إنَّ منظومة قياس الأداء الفردي "إجادة" مشروع جميل، وله أهداف سامية، ولكنَّ من أجل تحسين المنظومة والوقوف على مواطن الخلل فيها؛ يحتاج القائمون عليها النظر بعين الاعتبار للتغذية الراجعة من الميدان خصوصاً؛ ومن الموظفين الذين أوجدت هذه المبادرة من أجلهم لنحظى بأفضل النتائج عند تطبيقها في السنوات المقبلة.