ماجد المرهون
لكل أمة من بني إسرائيل سامري أصيل ذو فكر نتن يخرج لهم العجول ويستبيح المُقدسات والمحرمات مع اختلاف الأشكال والمسميات، وسامريهم مصيره إلى زوال ثم "لا مساس"، وعجله ذو الخوار المصنوع من خيرات فلسطين وزينة القوم سيخور ويُحرق ويُنسف في اليم الأبيض المتوسط الموشك على السواد، جراء أطماع القابعين على إحدى ضفافه، والعودة إلى أربعينية التيه القادمة لا محالة؛ كأني أراها قريبًا، لكن هذه المرة ليس في صحراء سيناء "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله".
لقد استكره المتبختر الغاصب بلا حذر قيامة الحليم، ولا ينطق مرعب اليهود عبثًا إلا وصبَّ غضبه المصهور في أنفاق جهنم؛ ليقشع هدير حممه الصاخب الغباش البارد المتكثف على ذكرياتهم الأليمة في مصر القديمة، ولو أنَّ موسى بين ظهرانيهم اليوم لما وسعه إلّا أن يأمر الطود الذي تجلى على أسلافهم الهاربين بعد العبور، الإطباق عليهم، وقليل منهم من سيقتل نفسه، بلا أدنى شك، وقليل منهم الشكور.
لا يُصعر الخد الأيمن للمعتدي واليد الطولى قد شُلت منذ زمن "برليف"، وتزلزلت عقيدة القتل المقدسة والشحن الديني المصبوغ بدم الزيف، حين تأتيهم أسراب الصواريخ عبر قبتهم الضعيفة؛ كالحيتان في سبتهم، ولن تطالها أيديهم المغلولة إلى أعناقهم في جحورها تحت خرسانة الطيف.
هم يريدونها حربًا؟! ليس الأحرار أشد حرصًا على حياة بقدر الفجار الذين اكتسبوا ما يخشون خسارته ظلمًا وبهتانًا جهارًا ونهارًا، وهم يُطلقون فحيحهم في الأرجاء بحقهم الزائف، ويمارسون لعبة التضليل على خطوط ملوّنة تتقادم، وأعوام بالعشرات تتراكم، ويوغرون سُمَّ جبنهم في الأخيار غيلة، ويعلنونها بافتخار، وما نفتأ نتغنى في وعينا الملتاث بخدعة حقوق العودة المؤرخة بالسنين الميلادية، حتى نال القحط من الخط الأخضر، ما نال وذبل، وتشرب بالجفاف والصفار.
نعلم أن معظم الصهاينة لا يؤمنون بالله ولكنهم في نفس الوقت يؤمنون بأن الله وعدهم بأرض كنعان، في نقيض فاقع لونه لا يسر الناظرين، ولن ينطلي علينا التزوير مهما تطاولت به الأزمان. نعم وعَدَهُم بها لتسهل نهايتهم، ونعلم كذلك أنهم يعلمون أطفالهم "سفر يشوع" والحق في ذبح الجميع، وما مجزرة طنطورة المغيبة بتضليلهم عنّا بمجهولة، ولا قرية الشيخ مونس البائد أهلها والمقام عليها جامعة تل أبيب ببائد ذكراها.
هل رأيتم أشد بأسًا من أهل غزة؟!
لقد أهلك الحصار قبلهم ممالك عظمى، وهم في جور سنينه صامدون، يحيون بعزة وعيالهم على الكفاف وروح الجهاد يربون، وكل هوة يصنعها المحتل يجسرون، ولكل صدع هم يرأبون، وقد كفوا منذ زمن غير قصير عن استجداء مشاعر إخوتهم المنغمسين في مظاهر ترف العيش وباتوا عنهم لاهون.
أراد الملك الفرنسي المتعصب لويس التاسع استيفاء نذره حال شفائه البدء بمصر في حملته الصليبية المقدسة على المشرق، حين علم بضعف وتخاذل الملك الكامل الأيوبي؛ لتسهل عليه بقية الممالك وعلى رأسها بيت المقدس، ولكن "للبيت رب يحميه"، فقوّض الله عليهم فيضان النيل ثم الملك غياث الدين توران شاه وجيش المماليك الأسطوري، فقتلوا أخاه روبرت دي أرتوا في فارسكور (في دلتا مصر) وسيق الملك لويس مُكبّلًا خانعًا ذليلًا ترهقه قترة إلى مدينة المنصورة نصرها الله؛ ليسجن في دار القاضي فخرالدين بن لقمان.
لقد تنازل الصليبيون أخيرًا عن حقوقهم المزعومة في المشرق الإسلامي للصهيونية الجديدة، وهذا التنازل الكبير ليس إقرارًا بالهزيمة ولا حبًا في اليهود، وإنما للتخلص من وعثائهم، بعد أن عاثوا في بلاد الغرب دسيسة ومكرًا وأشاعوا الفاحشة والفساد وأهلكوا الحرث والنسل، كما فعلوا في روسيا القيصرية، إبان ضلوعهم في الإطاحة بآخر قياصرها نيقولا رومانوف؛ فهم دائمًا قريبون من السلطة ومواقع صنع القرار، ليحوزوا على ممكنات سن القوانين ووضع الدساتير التي تخدمهم بالمقام الأول، وكذلك يفعلون، وذلك دأبهم أينما حلوا وارتحلوا "ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا". وفي الوقت المناسب، لامستْ صهيونية النمساوي تيودور هرتزل شغاف قلوبهم المتحجرة ودغدغ إحساس أرض الميعاد الزائف مشاعرهم المسجرة، فجُمعت نفاياتهم من روسيا إلى القوقاز والبلقان وأوروبا الشرقية، وصُهرت في أفران المكيدة الغربية؛ ليُسبك منها خنجر يُغرس في ضمير العرب الفاتر.
هل رأيتم أنبل من أحرار فلسطين؟!
كم كففنا عنهم أيادينا وهم يمدون لنا كلتا اليدين، خذلناهم فنصرونا، وأحزناهم فأفرحونا، وأبكيناهم فأضحكونا، وإن عكسنا الكلام من باب الاسترحام فلا عتب عليهم، ولا عليهم ملام، إلّا أن هذا الإنشاء الطلبي مستبعد لدى الفلسطينيين، فهم يعتمرون قلنسوة قورش الرحيم ذي القرنين، ويخفون تحتها طوفان بختنصر (نبوخذ نصر) القادم حتى يوم الحساب الموعود وقريب يحين "ليميز الله الخبيث من الطيب".
نصبوا للشيطان كرسيًا بينهم وسطا
وطأطؤوا له الرقاب واليدين بسطا
إنَّ الذي زين لابن لحي عبادة الوثن
زين لهم أن اليهود فينا عدل وقسطا