جائزة الرؤية الاقتصادية تجسّد عمق العلاقات الصينية العُمانية

تشو شيوان *

قبل أيام، احتضنت العاصمة العُمانية مسقط حفلَ تتويج الفائزين بـ"جائزة الرؤية الاقتصادية" في نسختها العاشرة، ولعلَّ أبرز ما ميَّز نسخة الجائزة لهذا العام أنَّ جمهورية الصين الشعبية كانت ضيفَ الشرف، مما أعطى الجائزة طابعًا مميزًا بالنسبة لنا نحن الصينيين، كما لو أنها جسر من الصداقة بين البلدين، ومنارة تُكرم الشراكات التي نشأت بين الشعبين وتحتفي بإنجازات الشركات الصينية ورجال الأعمال الصينيين ممن أسهموا في تعميق الترابط بين البلدين الصديقين.

لقد بدأ حفل التتويج بمعرض مميز للصور، جسّد عمق العلاقات العمانية الصينية؛ حيث شاهدنا صورًا للقادة من كلا الجانبين في اجتماعاتهم في العديد من المناسبات، وصورًا كانت شاهدة على تطور العلاقات الثنائية على مدى عقود مُمتدة، ولعل أبرز ما يُميز علاقة الصين بعُمان أنَّ العلاقات ضاربة في عمق التاريخ، ونحن نفخر كصينيين بعمق صداقتنا وتاريخها، ومعرض الصور جسد كل هذه المفاهيم والمشاعر واستحضرنا معه لحظات مميزة جمعتنا سويًّا.

إنَّ الجانب العُماني لديه ثقة كبيرة بالصين، وبقدرتها على العمل يدًا بيدٍ مع عُمان لبناء مستقبل أكثر إشراقًا، وقد لمستُ ذلك من خلال كلمة المكرم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة "الرؤية" والأمين العام للجائزة، والذي قال: "إن دعوة جمهورية الصين الشعبية هذا العام؛ تأتي بعد اللقاء الذي عقده صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، مع فخامة شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها فخامة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية، والتي شهدت مناقشات مُستفيضة حول آليات التعاون البنَّاء بين عُمان والدول العربية من جهة، والصين من جهة ثانية، ومن المؤمل أن تزدادَ هذه العلاقات قوة وصلابة في خدمة السلامة والتنمية لشعوبنا". وفعلًا الجانب الصين حريص على بناء علاقة متينة مع عُمان ليس على المستوى الاقتصادي والسياسي فقط؛ بل على المستوى الشعبي والاجتماعي والثقافي، حيث لكلا الجانبين تاريخ طويل من الثقافة، ويمكننا مشاركة قصص النجاح التي تجعل مستقبلنا أفضل وأجمل.

وهذا ليس رأيي الشخصي فقط؛ بل هو رأي القيادات الصينية التي تجد في عُمان الصديق القديم، وقد لفتت سعادة لي لينغ بينغ سفيرة جمهورية الصين الشعبية المعتمدة لدى سلطنة عُمان إلى أنَّ التبادلات الودية بين الصين وعُمان تمد جذورها إلى أعماق التاريخ، حيث وصل البحار العماني العربي أبوعبيدة إلى مدينة قوانغتشو الصينية قبل أكثر من 1200 عام على متن سفينة انطلقت من ميناء صحار العماني، وكانت هذه التجربة الأسطورية مصدرًا لقصص "مغامرات السندباد" الشهيرة، وهذا يؤكد أننا يُمكننا مد الجسور في جميع الاتجاهات لنحقق مسيرة تنموية ناجحة لبلدينا.

وفي العام 2023، نحتفل في جمهورية الصين الشعبية وسلطنة عمان، بمرور 45 عامًا على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومن الجميل أنْ تحتفي "جائزة الرؤية الاقتصادية" بالصين وبالعلاقات الصينية في هذا التوقيت، وكأنَّ الجائزة تستبق الأحداث والاحتفالات، وتؤكد أن الجانب الودي في التبادلات بين الجانبين يحظى بتقدير كِلا الطرفين بنفس المستوى وبنفس الدرجة من الاهتمام.

سلطنة عُمان لديها خطط طموحة ولديها إستراتيجية طويلة الأمد، والحديث هُنا رؤية "عُمان 2040"، التي وضعت الابتكار عاملًا رئيسًا مشتركًا لجميع أهدافها الإستراتيجية، وركزت على أهمية جاهزية التحول لمرحلة توظيف المعرفة والابتكار وتأصيل المنهج العلمي وتشجيع ورعاية البحث والتطوير ودعم المبدعين والمبتكرين، وأعتقد أنَّ الصين ستكون شريكًا مهمًّا في هذه المرحلة وفي هذا التحول؛ فالصين لديها خبرات طويلة في هذه المجالات ويمكن مشاركة هذه الخبرات مع الجانب العُماني، وأيضًا بما أن سلطنة عُمان تلعب دورًا مهمًّا في مبادرة الحزام والطريق فجميع الخبرات المنساقة عبر طريق الحرير ستصب في عُمان، فالمبادرة الصينية ليست تجارية فقط بل تمتد لجميع الجوانب والاتجاهات.

... إنَّ العلاقات الصينية-العُمانية ستزدهر وتتطور بشكل كبير في قادم السنوات، خصوصًا وأن هناك حِرَاكًا على أرض الواقع يتم بناؤه حاليًا لتدعيم أواصر الترابط والتشارك خصوصًا في المجالات الصناعية والتجارية، ومن يذهب إلى "الدقم" ويشاهد حجم الاستثمارات الصينية هناك، سيجد أنَّ الصين وعُمان تعملان على قدم وساق لتعميق الشراكة فيما بينهما، ومع كل هذا الحراك الذي شهدناه خلال السنوات الماضية من مشاريع مشتركة، ولقاءات على مستويات عُليا من القادة ومشاريع واستثمارات متبادلة، تأتي "جائزة الرؤية الاقتصادية" لتحتفي بالصين وبالشراكة الصينية العُمانية، وكأنها تقول إنَّ علاقتنا تاريخية ومستمرة إلى المستقبل البعيد بترابط وتفاهم ونقل للخبرات، وأنَّ لدينا محطات مشتركة سنحتفي بإنجازاتنا وبعمق شراكاتنا معًا.

* صحفي في مجموعة الصين للإعلام، مُتخصِّص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية

الأكثر قراءة