من القاتل؟

 

سالم بن نجيم البادي

فُجعنا بنبأ مقتل مُحاميّة في وضح النهار وبدم بارد وبطريقة بشعة ووحشية وسلاح أبيض وطعنات متتالية تدل على الحقد الأعمى والنية الخبيثة المُبيتة مع سبق الإصرار والترصد، ثم وبعد فترة وجيزة كانت المصيبة الأخرى مقتل فتاة بولاية عبري، بطريقة لا يمكن تصورها حتى في أفلام الرعب؛ حيث دهسها الجاني بالسيارة ثم وجه لها طعنات بالسلاح الأبيض!

ما الذي يحدث؟ ولماذا النساء؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وفي بلدنا الذي اشتهر بالأمن والأمان والسلم الاجتماعي؟

جرائم دخيلة على المُجتمع العماني، بنبغي البحث عن الأسباب العميقة التي أدت إلى حدوثها، هل لوسائل التواصل الاجتماعي دور ما وإن كان غير مباشر؟ هل خفت صوت الدين في ضمائر البعض، أو غاب الوازع الديني عنهم، أو كاد عند بعض الأفراد في المجتمع؟ وهل يوجد تأثير لدعوات الإلحاد والتحرر من العادات والتقاليد والقيم والأخلاق وضعف دور الأسرة وشرب الخمور وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية؟

ماذا عن دور الدين في ظل ما نعتقد أنه جمود في جوانب من الخطاب الديني والوعظ والإرشاد الذي لم يواكب تطورات العصر والأوضاع التي تسود العالم وظل بعيدًا عن قضايا المجتمع وهموم الناس؟!

هل ساهم الخطاب التعبوي التقليدي والذي ينم عن فهم قاصر للنصوص الدينية وتفسيرها وفق أهواء بعض تجار الدين والتشدق بالعلم الشرعي؟!

وحين يرددون القول إنَّ "النساء قاصرات عقل ودين" وأنه "في كل جريمة فتش عن المرأة"، والحديث عن "مكر النساء وكيد النساء ونكد النساء"!!

عندما يبالغون في الطلب من المرأة أن تكون "عبدة" لزوجها تخدمه وتطيعه وهذا لا بأس به، ولكن ليس الطاعة المُهينة العمياء التي تصل إلى حد العبودية.

والقول إن المرأة "كلها عورة وصوتها عورة" قد يستغله أصحاب العقول المتحجرة للحجر على المرأة وإن خرجت إلى العمل أو الأسواق، وإن كانت محترمة ومحتشمة فإنها تظل على الدوام محل سخرية، ونقد واتهامات باطلة وسوء ظن وتخوين وشك، ليس من كل الرجال بطبيعة الحال، لكن من الذين في قلوبهم مرض، وهم الذين يعتقدون أنَّ المرأة راغبة في الرجال، وأنها تتزين من أجلهم فقط وكل ما تقوم به تصرفات من أجل أن تلفت نظر الرجال إليها.

كما إنَّ ثقافة "سي السيد" الآمر الناهي والذي ينظر إلى المرأة على أنها كائن خُلق لخدمته ولإشباع شهواته وحسب لا تزال تعشعش في عقول هؤلاء!!

لقد ساهمت بعض الأفلام والمسلسلات العربية وبعض أنواع الأدب والشعر والأغاني في رسم صورة نمطية للمرأة تظهرها في صورة أقل ما يقال عنها أنها غير محترمة وتدور في فلك الرجل وكأنها جسد وشهوة وفتنة وإغراء!!

نحن الرجال نعلم جيدًا ما يدور في مجالسنا وما يُقال عن النساء والتعليقات غير المهذبة عن النساء، وتبادل النكات عن النساء، حتى إنني جمعت عشرات النكات المتداولة عن الزوجات وكنت أنوي الكتابة عن ذلك، وأثر هذه النكات على احترام وتقدير المرأة، فقد يحدث أن يصرخ الرجل قائلا "أنا تقص عليّ حرمة" وتقص كلمة تعني تهزمني أو تضحك علي، وفيها ما لايخفى من فخر الرجل بنفسه والاستهانة بالمرأة!!

لا نغفل كذلك الثقافة السائدة في المجتمع حول المرأة، إذ ينظر إلى المواضيع المتعلقة بالمرأة بحساسية شديدة حتى في حالات التحرش والاغتصاب والضرب والإهانات والعنف الأسري، وفي الغالب يتم التستر عليها، ولا تصل إلى الجهات المنوط بها تطبيق العدالة؛ خشية الفضيحة والعواقب الوخيمة الأخرى.

كل تلك التراكمات والثقافة السائدة عن المرأة قد تكون ساهمت في قتل المرأتين، وحتى لا نفقد ضحايا أخرى، فإن الحل في العودة إلى تعاليم الدين الذي كرّم المرأة وصان حقوقها وفي التطبيق الصارم للقانون في قضايا المرأة، وفي دراسة أسباب العنف ضد المرأة من أهل الاختصاص في الدين والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والإرشاد الأسري، وفهم الدوافع والأسباب وإعادة النظر في المناهج والتعليم وتطوير الخطاب الديني وعودة الدور الريادي للمسجد والسبلة العمانية والأسرة.

هنا لا أُدافع عن القتلة ولا أبحث لهم عن الأعذار؛ بل أُطالب بتطبيق شرع الله في حقهم، يقول المولى عز وجل: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 179).