جسور المحبة بين الصحاري والبحار

 

تشو شيوان **

لم يُسدل الستار بعد على القمة الصينية العربية والقمة الصينية الخليجية، فما زال الحديث عن نتائج ومخرجات هاتين القمتين المهمتين أمرًا يطول شرحه، ونستفيض في تحليله والبناء عليه؛ لتعميق الشراكة العربية الصينية في مختلف المجالات، ووضع أطر وأسس لشكل العلاقات المستقبلية خصوصًا وأن كلا الجانبين مستعد بشكل كامل لتعميق الشراكة والمضي قدمًا في بناء مجتمع ذي مصير مشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد.

يقول بيت شعر صيني مشهور "وإذا كانت الصداقة بيننا قوية متينة.. فلن تفصل بيننا أية مسافة بعيدة"، وفعلًا إذا كانت الصداقة التي تجمع بين الصين والدول العربية متينة وقوية ومتماسكة ومبنية على أسس الاحترام المتبادل فلن تفصل بيننا المسافات خصوصًا وأننا نعيش في عصر العولمة وأصبحنا نعيش في قرية صغيرة، ومشاركة التجارب الناجحة لكل جانب والاستفادة من هذه التجارب والخبرات المتراكمة هو أكبر المكاسب التي نطمح لها جميعنا.

من بين أهم المخرجات للقمم التي جمعت الصين والدول العربية هو حرص الجانب الصيني على العمل مع الجانب العربي على تنفيذ "الأعمال الثمانية المشتركة"، خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة، وتشمل المجالات الثمانية ما يلي: تدعيم التنمية، الأمن الغذائي، الصحة، التنمية الخضراء والابتكار، أمن الطاقة، الحوار بين الحضارات، تأهيل الشباب، الأمن والاستقرار، وهذه الجوانب مهمة جدًا خصوصًا وأن الشعوب العربية بحاجة للعمل بشكل مكثف لتنمية الكثير من القطاعات.

فيما يخص الأمن الغذائي فقد تلعب الصين دورًا مهمًا في هذا الجانب حيث إن القوة الزراعية للصين ووفرة المنتجات الزراعية قد تكون بوابة لسد الاحتياجات العربية من الغذاء، وتوفر الصين سلاسل إمداد كبيرة ومتنوعة تمكن الدول العربية من الاحتياط بشكل جيد للوصول للأمن الغذائي، وفيما يخص التنمية الخضراء والابتكار فهذه جزئية مهمة جدًا؛ حيث إن هناك خططًا عربية طموحة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر والاعتماد على الطاقة البديلة، والصين لديها مشاريع كبيرة في هذه الجوانب ونقل الخبرات الصينية للدول العربية سيسهل عمليات التحول الطموحة ويجعل الخطط أقرب للتحقيق على أرض الواقع خصوصًا وأن هناك دولًا عربية تعاني من أزمة طاقة وأزمة كهرباء، ومثل هذه المشاريع سوف تكون مفيدة وستعمل على تحسين الظروف المعيشية للشعوب العربية، وبنفس الوقت فإن ملف أمن الطاقة أيضًا ملف تلعب فيه الدول العربية دورًا مهما والصين تسعى للحفاظ على أمن الطاقة العالمي وتعميق الشراكات مع الدول العربية لتحقيق المنفعة المشتركة في هذا الملف المهم.

وفيما يخص الحوار بين الحضارات؛ فالصين والدول العربية تزخر بحضارة ممتدة عبر التاريخ، ولدينا الكثير من الأمور التي يمكن أن نتشاركها ونعمق من حضاراتنا المستقبلية وسنعتمد على إرثنا التاريخي سواء الصيني أو العربي لبناء جسور من الثقافة والفنون تعمق شراكتنا كشعوب، وفيما يخص ملف الصحة فقد أظهرت الصين صدق نواياها وقوة علاقاتها مع الدول العربية عندما قدمت الكثير من الدعم في مواجهة فيروس كورونا، والصين ستلتزم بالوقوف بجانب الدول العربية في أية أزمات وستعمل الصين على تطور البنية التحتية في المجال الصحي وستقدم خبراتها الواسعة في هذا المجال، وفيما يخص موضوع تأهيل الشباب فهناك فرص عظيمة لنقل خبرات الصينيين للشباب العربي، وباعتبار أنَّ الصين رائدة في مجال تمكين الإنسان وتحسين حياتها فهذه التجربة برمتها ستكون طوعًا للدول العربية إن أرادوا استنساخها أو الاستفادة منها، وفيما يخص الأمن والاستقرار فهذان الأمران مهمان لكلا الجانبين والوقوف في صف واحد تجاه حفظ الأمن سيخلق لنا المزيد من الاستقرار، وفي المستقبل سنجد أن كلا الجانبين سيدعمان هذا الأمر بشكل مكثف لأن كلا الجانبين يجدان في هذا التعاون أساساً للبناء والتنمية.

إنَّ زيارة الرئيس الصيني شي التاريخية إلى الشرق الأوسط كانت إيذانا ببدء عصر جديد من التنمية الشاملة والعميقة للعلاقات بين الصين والدول العربية، وبين الصين ومجلس التعاون الخليجي، ويُعتبر هذا الحدث أكبر حدث دبلوماسي والأعلى في المستوى للصين مع العالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ومن هذا المنطلق يأخذ الحدث ومخرجاته زخمًا سياسيًا وإعلاميًا عالميًا ولهذا سنجد تكثيفاً للعمل المشترك في قادم الأيام.

ومن بين المخرجات المهمة للقمم أن الجانبين العربي والصيني، جددا التأكيد على رفض واستنكار الإرهاب والتطرف بكافة أشكالهما، ورفض ربط الإرهاب بأي ثقافة أو عرق أو دين بعينه، ورفض ممارسة ازدواجية المعايير في مكافحة الإرهاب، وهذا الأمر أجده نقطة مهمة جدًا للصين وللدول العربية على حد سواء؛ حيث إن هناك تسيسًا لملف الإرهاب عالميًا وربطه بدين أو عرق مُعين، ووقوف الصين والدول العربية بجانب بعضهما البعض سيشكل زخمًا قويًا لمنع تسييس الإرهاب واستكاره ورفضه.

الجانب العربي والصيني يجد كل منهما في الآخر شريكًا وصديقًا، وهذا أهم مخرج خرجنا به من القمة، فالصداقة والشراكة هي من ستجعلنا نعمل سويًا لبناء التنمية المستدامة والتنمية المدفوعة بالابتكار وبناء مجتمع ذي مصير مشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد، وأيضًا سيمكننا من الحفاظ على مكتسباتنا الشعبية والتاريخية والعمل على توثيق الشراكة المستمدة من التاريخ والعابرة إلى المستقبل.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية.