حاتم الطائي
من مفاخر نهضتنا المتجددة في العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- التطوير المستمر في العمل الحكومي، والإداري على وجه الخصوص، وتجلى ذلك من خلال ثورة التصحيح الإداري التي انطلقت قبل نحو عامين، وأسهمت في إعادة هيكلة النظام الإداري للدولة، وتبع ذلك سن العديد من التشريعات وإصدار اللوائح المُنظمة لمختلف المؤسسات، وقد كان تطوير الإدارة المحلية أحد أبرز مظاهر عملية التحديث والتطوير التي لم تتوقف حتى الآن.
وقبل 6 أشهر تقريبًا صدر المرسوم السلطاني رقم (36/ 2022) بإصدار نظام المحافظات، والذي تضمن منح المحافظين صلاحيات أوسع بما يخدم مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة في وطننا العزيز، كما صدرت توجيهات سامية بتخصيص 20 مليون ريال لكل مُحافظة لإنفاقها على المشاريع التنموية والخدمية خلال خطة التنمية الخمسية العاشرة، وهو ما يؤكد الحرص السامي على إيلاء المحافظات الرعاية المطلوبة بما يضمن تعزيز مستوى معيشة المواطنين، وازدهار الأنشطة الاقتصادية المحلية في كل محافظة وولاية.
ومؤخرًا أطلقت الأكاديمية السلطانية للإدارة "المبادرة الوطنية لتطوير الإدارة المحلية"، بالشراكة مع وزارة الداخلية والمحافظات، وهي مبادرة طموحة تستهدف دعم المحافظين ورئيسي بلدية مسقط وظفار، من خلال تعزيز خبراتهم الإدارية عبر تقديم الممارسات المُثلى في هذا الجانب، ودعمهم من أجل إحداث التنمية المحلية المتوازنة بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040"؛ الأمر الذي سينعكس بلا شك على مسار التنمية في المحافظات. فقد تطرقت الرؤية المستقبلية لعملية التنمية المحلية، ودورها في تعزيز نمو اقتصادنا الوطني، وذلك من خلال ما يتم تنفيذه من مشاريع تنموية وخدمية تساعد المواطن على تحقيق أعلى معدلات الاستقرار والرخاء في محافظته. ومثل هذه المشاريع لن تتحقق إلا من خلال تكامل الجهود، وعلى رأسها جهود أصحاب السُّمو والمعالي والسعادة المحافظين، كلٌ في محافظته.
وتتمتع كل محافظة من محافظات السلطنة بميزات نسبية وتنافسية، تؤهل كلًا منها لتحقيق نمو كبير فيما تتميز به، فمثلًا هناك محافظات تزخر بقطاع سياحي واعد، مثل مسقط ومسندم وجنوب الشرقية وظفار، فهذه المحافظات تحديدًا تستطيع استقطاب العديد من المشاريع السياحية الواعدة، سواء في الخدمات الفندقية أو مشاريع الترفيه السياحي. علاوة على محافظات أخرى قادرة على جذب استثمارات في المشاريع الصناعية، مثل الدقم التي تمثل بوابة النمو الاقتصادي، وكذلك شمال الباطنة التي تحتضن المنطقة الحرة في صحار وكذلك ميناء صحار. كما إن محافظات الوسطى وجنوب الشرقية ومسندم مؤهلة لمزيد من مشاريع الثروة السمكية؛ سواء كانت مشاريع استزراع سمكي، أو مصانع تصنيع وتعبئة منتجات الأسماك، بفضل ما تزخر به من شواطئ ممتدة تضم شتى الأنواع البحرية من أسماك وقشريات ومحاريات وغيرها الكثير.
لقد جاءت "تنمية المحافظات والمدن المستدامة" ضمن الأولويات الوطنية التي وضعتها رؤية "عُمان 2040"، وهي الأولوية التي ربطت بوضوح بين التنمية والاستدامة، وكلاهما عنصران فاعلان في أداء اقتصادنا، خاصة وأنَّ الطموحات ترتقي إلى عنان السماء، وأن تتبوأ سلطنة عُمان مكانة مُتقدمة للغاية بين كبرى الاقتصادات حول العالم، ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجهود ودعم الاستراتيجيات الوطنية الساعية إلى تعزيز الكفاءات البشرية الوطنية، ومن بينها المحافظون، الذين سيقودون حركة التنمية الواسعة في محافظاتهم، عمرانيًا وإداريًا وسياحيًا وتجاريًا... إلخ.
إنَّ الجهود الحثيثة التي تقودها الحكومة الرشيدة من أجل تطوير الإدارة المحلية ستقودنا بإذن الله إلى مزيد من الازدهار والتطور في شتى قطاعات العمل الإداري، وتساعد على تحقيق تطلعات أبناء المحافظات في تنمية مستدامة ومشاريع خدمية توفر لهم احتياجاتهم وتلبي طموحاتهم في حياة كريمة ومستقرة وأساليب عيش مستدامة.