خلفان الطوقي
الاقتصاد يبنى على عدة أركان، وأهم هذه الأركان هي الصناعة الوطنية التي ترفد السوق المحلي، ومن ثمَّ تتوسع لتشمل الصادرات، وعلى كل دولة أن تكون لديها سياسات لحماية مُنتجها المحلي، ومبادرات لتشجيعها على زيادة الصادرات، فإن تمكنت - أي دولة كانت - من تحقيق ذلك، فقد حققت عدة أهداف مُرضية لها وللمستثمر وللمجتمع، ولكي تتحقق هذه الأهداف عمليا، فالموضوع ليس سهلا، ويحتاج لكثير من الجهود المتكاملة والتنسيق المستمر.
وبما أن سلطنة عُمان قامت بعمليات تصحيحية منذ نهاية عام 2020 في كثير من السياسات السابقة، فمن الضروري الالتفات إلى سياسة الواردات وحماية المنتج المحلي من الإغراق خاصة المنتجات ذات الجودة العالية، وهذا التوقيت هو المناسب بعدما تمَّ الإعلان عن مبادرة المحتوى المحلي وتطبيقها ولو - بشكل تدريجي - في مناقصات الجهات الحكومية والشركات الحكومية وشبه الحكومية من خلال الأمانة العامة لمجلس المناقصات.
حماية المنتج المحلي ليس هدفه الحد من الإغراق التجاري فقط، ولكنه يتعدى ذلك، فمن ناحية يقلل روؤس الأموال المحلية من الهجرة، ويحد من الأحجام الضخمة من الواردات، ويحمي المنتج المحلي من المنافسة غير العادلة خاصة للمنتجات المدعومة من بلد المنشأ، ويضمن بقاء الصناعة المحلية من الاستمرار ورفع جودتها والتوسع داخليا والتصدير خارجيا، وتحقيق أهداف غير مباشرة كتوليد وظائف جديدة، وتنشيط الصناعات المصاحبة والمساندة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودفع الرسوم والضرائب، وبقاء دوران رؤوس الأموال في المحيط المحلي.
بالرغم من بعض المبادرات الموجودة لدعم وتسويق المنتج المحلي، إلا أنها لا تعد كافية أبدًا، فقد حان الوقت لمزيد من الدعم النوعي، ولكي يتحقق ذلك بشكل متسارع، أرى من المناسب تشكيل فريق فني متخصص برئاسة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وممثلين من وزارة المالية وشرطة عمان السلطانية ووزارة الاقتصاد والأمانة العامة لمجلس المناقصات والهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة وغرفة تجارة وصناعة عُمان وجمعية الصناعيين العمانية، على أن تكون أهداف هذا الفريق إيجاد حزمة متكاملة لحماية المنتج الوطني بشكل مباشر وغير مباشر من خلال الجمرك والمعاملة بالمثل في تسهيل أو صعوبة دخول منتجاتنا الوطنية إلى الأسواق الخارجية، على أن تضمن للمجتمع والمستهلك المحلي المنافسة وتحميهم من أي احتكار.
هناك تشريعات وممارسات خليجية وعربية وعالمية تحمي منتجاتها المحلية بكافة الطرق، وإن كانت هناك تشريعات واتفاقيات دولية ملزمة لحرية الاستيراد والتصدير، لكنها في الواقع تتحايل بطرق غير مباشرة لحماية منتجاتها الوطنية من خلال المنافذ الجمركية، فمثلما رأت هذه الدول أن هذا حقٌ استراتيجي مشروع، فقد آن الأوان للسلطنة أن تعامل بالمثل، وبما يتوافق مع مصلحتها العليا، من خلال تطبيق سياسة الحمائية لصناعتها ومنتجاتها الوطنية شريطة عدم الاحتكار.