سالم بن محمد بن أحمد العبري
من المعلوم أنَّ السنة الأولى من الاحتفاء بتولي السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- الحكم، وما حُدد بعد ذلك عيدًا وطنيًا كان في يوليو (1971م)، ولكن يبدو أن حرارة الجو الحارق واقتران يوم 23 يوليو باحتفاء مصر بثورتها الكبرى بقيادة جمال عبد الناصر، جعل القائمين على الأمر بالسلطنة يختارون موعد آخر أكثر ملائمة طقسا وبعيدا عن التماثل والمقارنة.
وقد هدوا إلى اختيار يوم ميلاد السلطان قابوس- طيب الله ثراه- يومًا يُحتفى به كيوم وطني أسوة بما سارت عليه الأمم من احتفاء بالمناسبات الوطنية إحياءً للحس الوطني وتربية الأجيال بوعي وطني يمجد تاريخها الوطني، ورغم أنني في نهاية مايو (1971م) عدت أول مرة للوطن بعد خروجنا منه في مطلع (1966)، حيث كنَّا أثناء الاحتفالات نقيم في مصر؛ لأن العام الدراسي يكون قد انتظم مع موعد الاحتفالات؛ سواء في مرحلة المدارس أو المرحلة الجامعية، فلم نكن على متابعة جيدة وكانت وسائل الاتصالات محدودة، ووسائل الإعلام الخليجية في مرحلة الإنشاء، وكانت السفارة العمانية بالقاهرة قد فُتحت في مطلع (1972)، ومن ثم فإن الاحتفالات من قبل السفارة قد تكون بدأت خفيفةً في السنوات الأولى، وقد تكون الذاكرة أصابها تلف السنين، وربما كانت السنوات الأولى يحتفي في مبني السفارة (30 شارع المتنزه) على ملتقى شارع محمد مظهر والمتنزه وأبو الفدا بالزمالك في القاعة التي تحولت مقرًا لشؤون الطلبة، وقد أرعد وأزبد فيها الأستاذ محمد رشاد عزمي السيد- رحمه الله- كما هو أسمه الكامل. وربما كانت احتفالات (1976م) أي العيد السادس كان معي مشهودًا وموثقاً، فقد كنت أتدرب بإذاعة "صوت العرب" وأخذت السيدة رباب البدراوي التي صارت وزوجها الشاعر أحمد سويلم أصدقاء دائمين، أخذتها للتسجيل عن المناسبة وكان السفير في حينه الأستاذ مال الله حبيب (رحمه الله) فاستقبلنا استقبالا مميزًا وسجل وهو متحدث يقدر على إملاء موقعه الوظيفي، فلما انتهينا من التسجيل واستأذنا مودعين أخرج زجاجة عطر ليقدمها لرباب البدراوي.
أما احتفالات العيد السابع (1977) فكان مشهودًا؛ إذ أقيم حفل السفارة بفندق (المريديان) وكان قد فتح للتو وتربع على الضفة الشرقية للنيل ناصية (جاردن سيتي)، وكان علينا أن نذهب لكن صَفوهُ بالنسبة لي قد عكر لأنه تصادف أن يكون ليلة سفر الرئيس أنور السادات لفلسطين المحتلة بمبادرته التي تتوالى آثارها الكارثية إلى الآن من (أسلو) إلى (وادي عربة) إلى الهجمة الأولى على سورية ولبنان والجزائر إلى حروب ومغامرات العراق بقيادة صدام حسين إلى احتلال العراق وليبيا والحرب العالمية على سوريا، كنت لا أقوى على المشاركة فقواي لا تحملني، أمصر تعملها؟! وبهذه الوقاحة واللامبالاة في النتائج والعواقب، وعدم مشاركتي قد ينتبه له فتثور التساؤلات، من يستطيع أن يعبر رأي في حينه، فالأبواق العربية المهيئة لهذه الرِدة وهذا الأمر المجهول تكاد تكمم الأفواه، وبالذات بمصر وبلداننا فهي تواقت لهذا تُدفع إليه دفعا وتحشر به حشرا. تحاملت على نفسي وجمعت قواي لتأخذني من (العجوزة) إلى (جاردن سيتي) حيث الفندق مشيًا أو عبر (المكروباص) ولو من الزمالك حتى ميدان التحرير، والحفل قائم والناس فرحة كأن لم تعلم بحدث الغد، وأنا كأنني عبد الرحمن عزام أو ساطع الحصري، وربما الكل أو البعض يستفسر ماذا بك وأرد على الغالبية متعب وقد رددت على القلة بغضب ألا تحسون أن غدا يوم غير عادي على مصر والأمة، وربما قد يضحك البعض الذي سُلب منه شعوره الوطني والعروبي وربما نالني قدح لم أسمعه لكن أتوقعه.
لا أتذكر في عام (1978م) أين كان الحفل لكن الأعياد التالية سنكون بمسقط؛ حيث نعود ولنبدأ العمل في الأول من أكتوبر (1979) ولنحضر الاحتفاء به في ميدان الفتح وندخل واقعًا ومسارًا جديدًا.