جابر حسين العماني
أصبحت الثقافة الغربية وبكل سهولة تزحف إلى أوطاننا العربية والإسلامية، وتعيش بيننا بفكرها الجارف، وأدواتها المسمومة، والتي باتت تشكل خطرًا عظيمًا على ثقافتنا العربية والإسلامية، خصوصًا ونحن نُواكب الصناعة والتمدن والتحضر؛ مما جعل البعض ينسون قيمهم ومبادئهم وتقاليدهم الاجتماعية الأصيلة، التي تربوا عليها، مما جعلهم يعيشون التبعية المقيتة، والتقليد الأعمى للأفكار المستوردة والقادمة من الخارج، والتي أثرت على طريقة لبسهم وأكلهم وتعاملهم مع الآخرين.
إنَّ تطبيق ما يحصل ويدور اليوم في الغرب، وممارسته في البلاد العربية والإسلامية وإظهاره من خلال الشواطئ، والمقاهي، والأسواق العامة، والنوادي الليلية، هو سبب لانتشار التفسخ الأخلاقي الذي جعل من بعضهم يلمعون في كل شيء عدا عقولهم، فهي خاوية على عروشها ليس لها من العلم شيء، وهو أمر يجب الوقوف عنده والبحث فيه، فليس كل ما يأتي من الغرب هو صالح للاستعمال العربي، لذا يجب علينا التحقيق والتدقيق فيما تتلقفه عقولنا من الخارج خصوصا ونحن نعيش القرية المصغرة التي جعلتنا نتعايش مع كل الثقافات الغربية.
والإنسان عندما يُصاب بالحمى فهي لا تستأذنه لزيارته؛ بل تباغته في لحظة ما، فتجده فجأة طريح فراشه، وهذا هو حال الغرب عندما يبث سمومه وأفكاره لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، فهو لا يستأذنهم بالدخول إلى عقولهم وأسرهم ومجتمعاتهم؛ بل يباغتهم بفكره المنحرف، وكم من أبنائنا وبناتنا الذين استهوتهم الأفكار الغربية الضالة والمضلة، فأصبحوا يعيشون حالة صعبة وغربية من تفكك المجتمع وانهيار الأسرة. فيا ترى ما تلك الأساليب التي يستخدمها الغرب لترويج أفكاره في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ حتى نحذرها ونعيها وننتبه إليها بل ونحمي أنفسنا وأسرنا ومجتمعاتنا من خطر سمومها وهي كثيرة وسأكتفي بذكر 3 منها من باب المثال، وهي كالآتي:
- أولًا: الاستيلاء على عقول أطفالنا وشبابنا وكهولنا وشدها إلى المفاهيم الغربية الفاسدة، وإقناعهم بأنَّ ما يتلقونه من آداب وتعاليم إسلامية وقيمية أصبحت قديمة جدًا، وقد أكل عليها الدهر وشرب، ولا داعي لاحتضانها والتمسك بها، والأفضل والأجدر من ذلك هو ممارسة التحضر والتمدن والتفسخ، وتسليط ذلك من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة الإعلام الهابط، وبذلك تتم العملية التدريجية لسلب عقول أولادنا وبناتنا من حيث لا نشعر ويشعرون.
- ثانيًا: التركيز على تعليم اللغات الغربية والأجنبية والاهتمام بها بحيث تكون اللغة العربية لغة عادية لا أهمية لها في الأسرة والمجتمع، وهنا بالطبع لا ندعو لعدم تعلم تلك اللغات وكما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق: (مَنْ تَعَلَّمَ لُغَةَ قَوْمٍ أَمِنَ شَرَّهُمْ)، ولكن يجب أن لا يكون تعلم تلك اللغات على حساب إهمال اللغة العربية الأصيلة وهي لغة القرآن الكريم.
- ثالثًا: استغلال الإعلام لصناعة البرامج الفاضحة وترويج التعري وبثه والتشجيع على متابعته خصوصا في شهر رمضان المبارك وذلك بهدف تجهيل المجتمع وإبعاده عن دينه وقيمه ومبادئه وتعاليمه الإسلامية الحقة.
وبعد التعرف على بعض من تلك الأساليب فلا بُد من مواجهة الزحف الغربي الجارف على بلادنا العربية والإسلامية، فيا ترى كيف نتخلص من شرور المجتمعات الصناعية وتأثيرها على علاقاتنا الاجتماعية والأسرية؟ من خلال:
- أولًا: لا بُد أن نعلم أن ديننا الحنيف لا ينكر الازدهار والتمدن والتحضر بكل أنواعه ومسمياته وأشكاله، فهو يشجع دائماً على احترام الصناعة والمادة والتكنولوجيا وغيرها من العلوم مما يخدم الإنسان في أسرته ومجتمعه ووطنه، ولكنه لا يعتبر ذلك أفضل من القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة التي جبل عليها الإنسان والتي هي أساس نجاحه في الحياة، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].
- ثانيًا: ومن أجل التخلص من شرور المجتمعات الصناعية لا بُد أن نعلم جيدًا إننا نمتلك حضارة إسلامية عظيمة علينا العودة إليها، والتمسك بتعاليمها، فهي غنية بالمعارف والعلوم المختلفة، فإذا كانت الثقافة الغربية تفتقر اليوم إلى أبسط المفاهيم القيمية والأخلاقية؛ فالحضارة الإسلامية غنية جدًا بكل ما يحتاج إليه الإنسان لنيل سعادته وتحقيق أهدافه في الحياة.
- ثالثًا: يجب أن نعلم أننا نمتلك الكثير من الكنوز الروحية والإنسانية العظيمة والفاخرة والتي نفخر بالاقتداء بها على الدوام، والتي تجعلنا نسير دائما على الطريق السوي والمستقيم، بل وتمثل لنا تلك الرموز القدوة الروحية المتكاملة، مثل شخصية الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الكرام وصحبه الأجلاء، تلك الشخصيات المباركة التي تعلمنا كيفية الحفاظ على قيمنا وتعاليمنا الدينية والعربية، وتشجعنا على تلقي العلم وممارسة الإبداع والابتكار العلمي، فنحن خير أمة أُخرجت للناس، نؤمن بالحرية والعدل والمساواة ولا نرضى بالظلم والإهانة والاستخفاف بحضارتنا وقيمنا ومبادئنا العربية والإسلامية.
أخيرًا.. ومن باب "كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ"، اليوم هناك مسؤولية عظيمة ملقاة على عاتق الآباء والأمهات؛ بل وعلى المجتمع بحكمائه وعلمائه، وهي الاهتمام بتربية الأبناء، وتسليحهم بالعلم والأخلاق، وإبعادهم عن مواطن الفساد الإعلامي والأفكار المنحرفة القادمة من الداخل والخارج.