التحديث الصيني.. المقومات والعناصر

 

تشو شيوان **

جاء في تقرير قدمه الرئيس الصيني شي جين بينغ نيابة عن لجنة الحزب المركزية الـ19 إلى المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني الحاكم الذي اختُتم قبل أيام في بكين جاء فيه وجوب "بناء دولة اشتراكية حديثة قوية بطريقة شاملة، وتحقيق أهداف الكفاح عند حلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، ودفع النهضة العظيمة للأمة الصينية على نحو شامل بالتحديث الصيني".

وقد وضع التقرير ترتيبات استراتيجية لبناء دولة اشتراكية حديثة بطريقة شاملة، وناقش الخصائص المهمة والمتطلبات الأساسية للتحديث على الطراز الصيني، والذي أثار اهتمام المجتمع الدولي كثيرًا، وبنفس الوقت طرح الكثير من التساؤلات كيف هو التحديث الصيني النمط؟، وكيف له أن يكون نموذجا عصريا قادرا على الإنجاز والمحافظة على المكتسبات، ويدفع عجلة التقدم والازدهار؟

إنَّ التحديث والتطوير يعني السعي المشترك للشعوب في جميع أنحاء العالم، وهو أيضًا الهدف الذي يسعى إليه الشعب الصيني منذ العصر الحديث، وقد حققت الصين دولة وشعبًا تقدمًا ملحوظاً في الكثير من المجالات لا سيما الاقتصادية والعلمية والاجتماعية أيضًا، وبرزت الصين خلال السنوات الماضية كقوى اقتصادية وسياسية عظمى تقود تحالفات عالمية جديدة هدفها الاستقرار وخلق التوازن العالمي، وهذا النموذج الممزوج بين الاشتراكية والرأسمالية هو ما قد نسميه الأشتراكية الحديثة أو الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والتحديث الصيني النمط قائم على مواصلة المضي قدمًا بنفس الاستراتيجية وبنفس النهج.

"التحديث الصيني" قائم على التحديث عن طريق التنمية السلمية بعيدًا عن استخدام القوة أو الضغط المدفوع بالقوة إنما هو تحديث يلتزم بمبادئ الصين في علاقاتها الدولية المعتمدة على مبدأ الربح المشترك ويحرص على التعاون المربح للجميع، ونحن في أمس الحاجة لهذا النموذج في هذا الوقت تحديدًا، فالعالم يواجه أزمات كثيرة وتشنجات سياسية وعسكرية في الكثير من المناطق، ولهذا تأتي الصين بنموذجها الجديد لبناء الثقة للمجتمع الدولي وبناء الاستقرار العالمي.

التحديث الصيني هو تحديث اشتراكي له خصائص خاصة وهو تحديث يتناسب مع حجم سكاني ضخم لدولة مثل الصين، ويراعي جميع أفراد الشعب كلًا حسب ظروفه ومستوى معيشته، وهذا التحديث نجده يوافق ويخلق الانسجام بين الحضارة المادية والحضارة الروحية، فالإنسان يحتاج في كثير من الأحيان للتحديث الروحي أو العقلي وليس فقط المادي، وأن نتناغم مع مُحيطنا الطبيعي لنخلق نمط حياة يدفعنا للتنمية، وهذا التحديث هو ما تعمدت الاشتراكية الحديثة إيجاده بعكس ما تسعى إليه الأنماط الرأسمالية والتي تتناسى في كثير من الأحيان التحديث أو التطوير الروحي أو الفكري وتحول كل شيء للمادة، وهو ما خلق لنا الكثير من المشاكل، ولكن النموذج الصيني أراد التناغم بين هذين العنصرين لننعم بحياة يسودها الاستقرار.

يلتزم التحديث الصيني بفلسفة التنمية التي تركز على الشعب، ويهتم بالتنمية المنسقة للإنسان والطبيعة؛ فالشعب هو عماد أي دولة وتطوير حياة الشعب هو حجر الأساس في مسيرة التنمية لأي دولة، والصين تفهم هذا جيدًا لهذا تبني نموذجها معتمدة على تطوير الشعب ومن ثم يقوم الشعب بتطوير جميع القطاعات، وبنفس الوقت يجب الاهتمام بالقضايا البيئية وحماية الطبيعة لأنَّ الطبيعة هي الموفرة لمقومات الحياة ومن الواجب أن ينسجم الإنسان مع الطبيعة لبناء حياة أفضل، ولهذا نجد أن هناك تسارع كبير في عمليات التحول البيئي في الصين والسيطرة على البصمة الكربونية ودعم قضايا البيئة على مختلف الأصعدة، إضافة لسعي الصين لتعزيز الاقتصاد الأخضر ودعم الصناعات الخضراء والتي ستحمي الطبيعية ليس في الصين وحدها بل في جميع أنحاد العالم، ولهذا نجد أن نموذج التطور الصيني يحاكي الواقع ويلامس الحلول الممكنة، بعكس بعض النماذج أو الحلول التي تبنيها بعض الدول بناء على أحلام أو أهداف غير واقعية ولا تخلق الانسجام بين أهم مكونين لحياتنا؛ الإنسان والطبيعة.

عندما نتحدث عن التنمية فيجب أن نتحدث عن نموذج يراعي ويجمع بين كافة المكونات المؤثرة بشكل كبير في حياة الإنسان؛ الإنسان نفسه والطبيعة والاقتصاد والسياسة والثقافة والتعليم والصحة والحياة الاجتماعية؛ ولهذا نجد أنَّ الصين قامت بإيجاد هذا التناغم في نموذجها التنموي، وخلال السنوات الماضية قامت بتطوير كافة القطاعات لتشكيل أشبه ما يكون بحلقة دائرية الشعب يتوسطها ويتشكل من حوله جميع ما يؤثر على حياته، وبدأ بتطوير كل جزء من هذه المؤثرات بما يتناسب مع متغيرات العصر مع الحفاظ على أساس الإنسان واحتياجاته الأساسية، ولهذا أجد أن التحديث الصيني هو مسار تنمية عالمي يمكن أن تستفيد منه جميع دول العالم خصوصًا دول العالم الثالث، والتي بحاجة لنموذج قابل للتشكيل بما يتناسب مع طبيعتها وطبيعة شعوبها.

من خلال التجربة الصينية في التنمية وجدت الصين أن أي نموذج تنموي يجب أن يتماشى مع طبيعة كل دولة، وليس بالضرورة أن ما ينفع ويطور دولة أن يكون مناسبًا للجميع؛ بل يجب أن ينسجم مسار التنمية مع طبيعة كل شعب وظروف كل دولة، ولهذا يأتي النموذج الصيني بمواصفات إنسانية تتشكل وفقًا لمتغيرات العصر وتنسجم مع الطبيعة والعناصر المؤثرة بما فيها ظروف ومتغيرات كل دولة على عكس النموذج الغربي الذي يريد أن يجعل العالم بأكمله مشابها لبعضه البعض، وهذا خطأ فادح لما يقودنا إلى المزيد من التخلف ونشب بسببه الحروب والخلافات، بينما النموذج الصيني يدعو للسلم بما تراه كل دولة مناسبًا لها، وهذا ما على العالم تبنيه لبناء تنمية عالمية مناسبة للظروف والمتغيرات.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية