أغمض عينيك ترى جيدًا!

 

أم كلثوم بنت محمد الفارسية

 

منذ فترة ليست ببعيدة، غرقتُ في تأمل الخيال وأنا العاشقة للتأمل والتفكير أكثر من  أي شيء آخر، وتساءلتُ بإيمانٍ: لماذا أعطانا الله القدرة على التخيل؟ هل من باب الرفاهية الفكرية أم أن للخيال دور أساسي في ترتيب دنيانا وآخرتنا؟

وما أن طرحت على عقلي هذا التساؤل، حتى جاءتني الإجابات بشكل مدهش، أشارككم إياها في هذا المقال؛ فعبارة بسيطة متداولة مستهلكة مثل "لا أستطيع تخيل حياتي بدونه" والتي تتردد على لسان العالم والجاهل على حدٍ سواء كانت كفيلة بأن تأخذني من غير وعيٍ مني إلى قوة الخيال، وإن مشكلاتنا في الغالب تكون في رأسنا الذي يعجز عن تخيل أحوال لا نرغبها وظروف نظن أننا لا نستطيع تحملها ولو أننا تخيلنا هذه الظروف وتلك الأحوال لهانت علينا، إذن أزمتنا ليس فقد الشيء الذي عبرنا عنه بكلمة (بدونه) ولكن عدم قدرتنا على تخيل هذا الفقد هو الأزمة الحقيقية!

هذا يعني قدرتنا على تخيل الأمور تجعل وجودها في الواقع أسهل وتجعلنا أكثر تقبلا ورضا ذلك لأننا تخيلنا هذا الظرف مسبقًا... وهذا سر عظيم من أسرار بديع صنع الله في خلقنا، أن جعل الخيال محطة أولى لكل مشاعرنا وأفكارنا وأحلامنا، فلا يمكن لفكرة تنتقل للواقع إلّا عبر هذا الجسر الذي يُماهي بين الوعي واللاوعي، ومن خلاله تأخذ الأشياء أشكالها الجديدة وصورها المختلفة المتحررة من قيود الواقع المتجاوزة كل الحدود المنطقية ففي الخيال فقط لا بأس من أن تلتقي المتناقضات وتتجاور المتضادات لتقدم الواقع على طبق من الأحلام.

الخيال محرك المشاعر ومغذي الحب وهمزة وصل المشتاق وأجمل ما يترجم هذا المعنى ما قاله أحمد شوقي "لست أمام عيني لكنك كل ما أرى". وقوة الخيال هذه التي تجعل المحب على اتصال دائم مع محبوبه رغم تعذر اللقاء في الواقع الحقيقي نجد المحبوب يكتفي بالخيال عن الواقع فيرى محبوبه في كل الأشياء من حوله ولو لا هذا الخيال لشقَّ عليه هذا الحب وهذا الحنين فكان الخيال أنيسه وسلواه رحمة من الله بقلوبنا.

في الخيال، يكمن سر الكثير من العبادات نحن لا نُصلي بالطريقة الصحيحة إلا عندما نتخيل أننا في حضرة الله.. ولا نصوم بالطريقة الصحيحة إلا عندما تحملنا قرصات الجوع ومشاعر الرغبة والحاجة إلى تخيل أُناس من بني جلدتنا في وضعهم الطبيعي جوعى وفي تعداد أيامهم يصومون أكثر مما يأكلون فيرق قلبنا ونحمد الله على نعمه. كما إننا لا نتصدق إلا بعد أن نتخيل أنفسنا مكان هذا المحتاج. نعم الخيال وسيلة سماوية وهبنا الله إياها لتعيننا على العبادة فنعبد الله بقلوب ممتلئة بالشعور الإيماني الرفيع.

الخيال أداة أساسية للتطور الحضاري أي شيء قبل أن يصبح واقعا يمر على الخيال أي نجاح في العالم كان وراءه الخيال من خلال الخيال تتقدم البشرية وتستمر في صيرورتها الحضارية فكل نتاج البشرية المادي والفكري لا يمكن أن يكون لولا أن أحدهم تخيله بالخيال وصلنا للقمر وحلقنا كالطير فوق السحاب!

ثم تأتي البرمجة اللغوية والعصبية لتكشف عن دور الخيال في تحسين الواقع، وذلك من خلال قانون الجذب هذه القوة الاستثنائية التي تعتمد على أن تجعل الشخص جزءًا من أفكاره بشكل مقصود وواعٍ وغير عفوي فالخيال الذي يركز عليه صاحبة مع إيمانه الكامل بتحققه يرسل للكون ذبذبات طاقية تجذب لعالمه ما يشبهها إن كانت خيرًا فخير وإن كانت شرًا فشر.. هذا الخيال المغلف بالإيمان يجعل الكون بأسرة خادمًا مطيعًا بين يديك.

الخيال قوة شفاء، وقوة بناء، وقوة تغيير الخيال ليست رفاهية عقلية؛ بل مَلَكَة أصيلة في تكويننا البشري لا تقل أهمية عن حواسنا الخمس، وعن طريق الخيال نحن نتمم نقصان الحواس. الخيال سرُ الله العظيم الذي في أغلب الأحيان نجهل قوته نحن البشر.

حين تضعك الحياة في متاهات الحيرة والقلق حول قرار مُعين... فقط أغمض عينيك وتخيل جميع الخيارات المتاحة استشعرها بكامل حواسك.. هنا فقط ستختار الأفضل!!

حين يخالجك الشك حول تساؤل معين... فقط أغمض عينيك وتخيل جميع الإجابات.. هنا فقط ستجد الجواب الأصوب!!

حين تمتلئ بالأحلام التي تستصعب تحويلها إلى واقع أغمض عينيك وتخيلها بجميع تفاصيلها ألوانها وأصواتها ومشاعرك حين تحققها ..هنا فقط ستراها واقعا!!

أغمض عينيك يا صديقي ترى أكثر مما كنت تعتقد أنك تراه... نعم أغمض عينيك لترى جيدا ففي العين البصر وفي الخيال البصيرة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك