جابر حسين العماني
عندما يطلب الرجل يد المرأة ويظهر الرغبة الكاملة في الزواج منها، فذلك في حد ذاته يمثل أهم العوامل المساعدة لحفظ كرامة المرأة ومكانتها الأسرية في المجتمع، وهذا ما أقرته الفطرة الإنسانية السليمة الخالية من الشوائب الدخيلة على المجتمع، وهو ما أرادته الشريعة الإسلامية السمحة وشجعت عليه وحثت أبناء المجتمع على تطبيقه وفهمه.
ليس من السليم أن تقوم المرأة بخطبة الرجل كما يحصل ذلك في بعض البلدان، فذلك ليس من كرامتها أو احترامها وإنما هو دور الرجل تجاهها، لذا على الرجل أن يسعى في ذلك حتى يستطيع في نهاية المطاف أن يحظى بالاقتران بإحدى النساء ممن تتلاءم معه عقليا ونفسيا وأخلاقيا واجتماعيا.
واختيار الفتاة الصالحة لهو من أهم الأمور التي يجب التركيز عليها من قبل الرجل، وذلك لتكون زوجة صالحة له، وأماً ناجحة في المستقبل القريب في تربية أبنائه، وهذا في حد ذاته يتطلب من الرجل التريث وعدم الاستعجال في أخذ قرار الزواج، وعدم التسرع للذهاب إلى الخطبة الرسمية، وهذا يعني أهمية التأكيد على دراسة مشروع الزواج بشكل دقيق قبل كل شيء حتى يستطيع الرجل الوصول إلى شريكة الحياة التي تتلاءم مع فكره وأخلاقه ودينه وتوجهاته في الحياة الأسرية والاجتماعية، على النحو المعقول والمتعارف عليه اجتماعيا، وهذا ما أوصى به وأكد عليه العقلاء والحكماء من الأنبياء والأوصياء والصالحين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ خَيْرَ نِسَائِكُمُ: الْوَلُودُ الْوَدُودُ، الْعَفِيفَةُ الْعَزِيزَةُ فِي أَهْلِهَا، الذَّلِيلَةُ مَعَ بَعْلِهَا، الْمُتَبَرِّجَةُ مَعَ زَوْجِهَا، الْحَصَانُ عَلَى غَيْرِهِ، الَّتِي تَسْمَعُ قَوْلَهُ وَتُطِيعُ أَمْرَهُ، وَإِذَا خَلا بِهَا بَذَلَتْ لَهُ مَا يُرِيدُ مِنْهَا، وَلَمْ تَبَذَّلْ كَتَبَذُّلِ الرَّجُلِ).
اليوم هناك الكثير من المشاكل الزوجية التي يواجهها الزوجان منذ بداية مشروع زواجهما، ومن أكثر تلك المشاكل التي باتت تؤدي إلى الطلاق والانفصال التام في أكثر الأحيان بين الزوجين، أو على الأقل عدم الاستقرار النفسي في الحياة الزوجية، هو الاستعجال في اختيار شريك الحياة وعدم دراسة مشروع الزواج من جميع جوانبه المتعددة وقس على ذلك.
إنَّ من أهم الموارد التي ينبغي التركيز عليها وتوجيه المجتمعات العربية والإسلامية إليها بهدف استدامة مشروع الزواج وحمايته من الضياع والشتات وعدم الاستقرار، هو: تأهيل الزوجين قبل الزواج، وذلك من خلال إعداد دورات تأهيلية لكل من الرجل والمرأة المقبلين على الزواج ليكتسبوا بذلك الكثير من المهارات الحياتية التي يحتاجون إليها في الحياة الزوجية، وذلك من خلال تدريس وتعليم البرامج الأسرية والحياتية المتعددة، مثل: كيفية اختيار الزوج والزوجة، وعدم اتخاذ القرارات الضبابية في الاختيار والتدريب، وذلك من خلال عرض الشروط والمواصفات والتجارب الحياتية، والتركيز على تعليم المسائل الشرعية، والاقتصادية، والصحية، والنفسية، والاعتماد على نخبة متميزة من الأساتذة الأجلاء من المدربين والمدربات، والحذر كل الحذر من اختيار برامج التدريب المتاحة خصوصا في الفضاء الإلكتروني أو الكتب غير الموثوقة وغيرها، فهناك بعض الأفكار لا تتوافق مع قيمنا ومبادئنا الدينية أو الوطنية، وبالتالي ينبغي التركيز على اختيار الدورات المناسبة التي تتناسب مع الطرح الديني والاجتماعي والوطني، والابتعاد عن ما يخالف ذلك، بهدف ضمان تحقيق السعادة والاطمئنان والاستقرار في الحياة الزوجية بين الزوجين، والحد من ظاهرة الطلاق المبكر بين الأزواج، ومعرفة الحلول المناسبة لحل الكثير من المشاكل الأسرية والاجتماعية التي تطرأ على الحياة الزوجية.
ومن المؤسف جدا عندما تجد اليوم بعض أولياء الأمور الذين لا يهتمون بتأهيل أبنائهم وبناتهم على أهمية الحياة الزوجية وواجباتها، ويضعون الكثير من الشروط المادية في تزويج بناتهم، ولكنهم يغفلون عن أهم شرط ينبغي تحقيقه قبل الزواج وهو حضور كل من الخطيبين للدورات التأهيلية للزواج وذلك قبل الموافقة على زواجهما، من أجل ضمان حياة زوجية هانئة، مبنية على الحوار الهادئ والاستقرار النفسي بين الزوجين، فما أجمل من الخطيبين أن يتدربا قبل زواجهما على أساسيات الحياة الزوجية كالحوار، والتفاهم، والحلم، وعدم التسرع في أخذ القرارات، و معرفة الحقوق الزوجية وغيرها، وذلك من خلال الانتساب إلى الدورات العلمية التي تسعى إلى توعية المقبلين على الزواج بفنون التعامل مع الحياة الزوجية والأسرية والاجتماعية بين الأزواج، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
أخيرًا.. إنَّ الحياة الأسرية يجب أن تكون مبنية على الحب والتفاهم والتجانس بين الزوجين، وهذا لا يكون إلا من خلال السعي الجاد لاختيار المرأة الصالحة والتأهيل السليم للحياة الزوجية، والتي هي من أهم الأمور التي من خلالها يتم بناء الأسرة الصالحة والنموذجية في المجتمع، وهنا ندعو المؤسسات الخيرية والجهات المعنية في الدولة إلى تفعيل تلك الدورات التأهيلية للزوجين قبل الزواج، من أجل صناعة الأسرة الصالحة التي من خلالها يتم بناء المجتمع الواعي الخالي من عناصر الجهل والتجهيل، والمزدهر بثقافة العلم والفهم للحياة الزوجية.