الطائيون القحطانيون.. في عُمان وبلاد الحجاز والشام والعراق

 

ناصر أبو عون

nasser@alroy.net

هنا في مملكة سبأ.. "الخزان البشريّ الأكبر" الذين جعل الله لهم "الأرض فراشا" "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ". "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ" فصارت رمزاً للبهاء والكمال، وتوارد ذكرها على كل لسان، فهذا "بلينيوس الأكبر "23 – 79 م" يسميها"بلاد العرب السعيدة" و"البلد الخضراء"، ولقد كان الوصف القرآنيّ لما يرفلون فيه من نعيم مُقيم بليغا في تصويره ودلالاته. حتى إذا "بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا" و"أَعْرَضُوا" تحقق فيهم قول ربنا: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً" وعجّل لهم العذاب في الدنيا "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ". وكان ذلك سنة 575 بعد الميلاد.

ومن الخطأ الشائع عند قلّة من المؤرخين أنّ مالك بن فهم 196- 231م أول يمنيّ نزح إلى عُمان بعد انهيار سد مأرب، إلا أنّ الروايات المتواترة تؤكد أنّ قبيلة "طي" هي الأسبق زمناً في الهجرة من اليمن والاستيطان خارجه في عمان وبلاد الحجاز والشام والعراق. وكانت حادثة انهيار السد لحظة مفصليّة كبرى في تاريخ العرب؛ بل شهدت أمة العرب إبّانها ولادة جديدة، فصمدت سلالتهم، ولم ينقطع أثرهم، وهبّوا زاحفين زرافات ووحدانا باتجاه الشمال، وكان السواد الأعظم من النازحين في "الهجرة الأولى" جُلّهم من طيّ وفقَ ما أورده "أحمد وصفي زكريا" في كتابه: "عشائر الشام".

فلمّا حطوا رحالهم على حدود عُمان وفق رواية محمد بن جرير الطبري انشطر بنو "نبهان الطائيين" شطرين: أمَّا الشطر الأول؛ وهم أولاد "نائل بن نبهان"؛ فقد واصلوا المسير باتجاه سلاسل جبال "حائل" واستوطنوا جبلي "آجا وسلمى"، ولم يلبثوا حينا من الدهر حتى انطلق رهطٌ منهم إلى بلاد الشام والعراق، وقد وصفهم الرومانُ والفرسُ وسائر الأمم المعاصرة لهم بـ"الطائيين السُّريان"؛ لأنهم أول من وضع قواعد "اللغة السريانيّة" اشتقاقا من "الآرامية"، وإليهم ينتسب الشاعر المُقل إنتاجا والصحابي الأجلّ إحسانا وجهادًا "زيد الخير"، وله ترجمة وافية أوردها صاحب "الأغاني" – في "ج 4 / ص 453" ذاكرا أنه "زيد بن مُهَلهل بن يَزِيد بن منهب بن عبد رضا - ورضا: صنَم كان لطيِّئ - ابن محلس بن ثَوْر بن عديِّ بن كنَانة بن مالك بن نائِل بن نَبْهان - وهو أسْوَدُ بنُ عمْرِو بنِ الغَوْث بن جلهمة، وهو طيِّئ؛ سُمِّي بذلك لأنَّه كان يَطْوي المناهل في غزواته - ابن أدد بن مذْحج بن زيد بن يَشْجب الأصفر بن عريب بن مالك بن زيد بن كهْلان بن سبأ بن يشْجب بن يَعْرب بن قَحْطان بن عابر، وهو هود النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كذا نسَبَه النسَّابون.

أمّا الشطر الثاني من بني "نبهان الطائيين"، فهم "أولاد سعد بن نبهان بن عمر" وقد سلكوا الطريق إلى عُمان وحطّوا قوافلهم في "ريسوت" غرب "صلالة"، ثم واصلوا المسير باتجاه "قلهات"، وأجدُّوا الزحف باتجاه وادي "سمائل"، ثم خرجوا منه إلى وادٍ عظيم، سُمي - فيما بعدُ- بـ"وادي الطائيين" نسبةً إليهم، ومنه نزحت بعض بطنوهم وأفخاذهم لتستوطن "سمائل" و"نزوى".

وفي مقابلة مع بعض النّسابة العُمانيين؛ أفادنا الشيخان"يوسف أمبوعلي"، و"سند المحرزيّ" أنّ من الطائيين الذين تمّ التأريخ لهم في العصر المتأخر "خطامة أبو بِشْر" وهو من"بني نصر"، وإليه نُسِبت ولاية "بوشر" وتسمّت باسمه، ومن نسله قبيلة "بوشر السمائلية"، ومن أبناء عمومتهم "بنو عمر بن الصامت بن سعد" الذي من سلالته خرجت قبائل: "الهادي" و"المشرفيّ" و"الرقاديّ"،وهم عينُهم الذين خاطبهم الصحابيّ "مازن بن غضوبة" في بيت شعره الشهير:"يا راكباً بلغن عمراً وإخوته/ أني لمن قال: ربي ناجز قالِ". ومن "النسوة الطائيات الفاضلات" "خودة" أو"خولة" بنت نصر بن ربيعة بن سعد بن نبهان، وهي من عمّات جدّ الصحابيّ "مازن بن غضوبة" رضي الله عنه.

وقد تفرعت في عُمان من "طيّ" أفخاذ وبطون عديدة، وإن الجانب الشرقيّ من عُمان غلب عليه "الطائيون"؛ فهم من "حوزة مسقط"، إلى وادي "بوشر" شمالاً، نزولا إلى أودية "قلهات" و"صور" و"جعلان"، جميعهم بلا استثناء عشائر وبطون وأفخاذ تفرّعت من "طيّ"، وصنّفها صاحب كتاب "إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان"، وصححنا ما وقع في نسخته من "تصحيف ونسيان" بالرجوع إلى بعض النسّابة العُمانيّين المُعتبرين في هذا العلم ومنهم "يوسف أمبو علي"، الذي قطع بالقول الواحد المؤكد أنّ من نسل "طي" خرجت قبائل: "الطائيّ، ‏والبطاشيّ، والغريبيّ، والحجيّ،‏ والحوسنيّ،‏ والحسنيّ وفرعٌ من الزيديّ خلافا للفرع القرشي،‏ والبهلانيّ والسرحنيّ أو السرحانيّ،‏ والشِّبليّ‏، و‏الشرجيّ‏ والشيدي،‏ والضامري،‏ و‏المجلبيّ‏، والمشرفيّ، والمعشريّ،‏ و‏الهاديّ،‏ والهدَّابي، وبنو عرابة والوهيبي، والعيسائيّ – وهذا الأخير يُقال إنه "أزديّ"‏ وسائرها قبائل كهلانيّة سبأيّة قحطانيّة، أي يمانيّة.

أمّا الباحث النسّابة الشيخ سند بن حمد المحرزي فقد خالف ما قطع به الشيخ "يوسف أمبو علي" في نسب بعض القبائل إلى "طيّ" فقال: إن قبيلة "الغريبي" ليسوا من "طيّ"، وكذلك قبيلة "الشيدي" ليسوا من "طي"، وقيل إنهم من "معولة بن شمس"، و"الضامري" قيل هم بطن من بطون "بني محارب"، وقيل من "طي" و"الهدابيّ" قيل من "تميم"، وقيل من "طي" و"العيسائي" قيل من "الحدّان بن شمس الأزديّ" وقيل من "طيّ" و"البطاشي" فيه قولان: قيل من "الأزد"، والمشهور من "طي" - وكان بينهم وبين الطائيين حلف سياسيّ ولذلك يرد في الوثائق القديمة الإشارة التعريفية بعبارة "الطيوانيّ البطاشيّ"-، أمّا "البهلاني" المشهور أنه من "عبس بني رواحة" وقيل من "طي"، و"الريسي" من "طي" وقيل من "تميم"، و"الحسنيّ" من "طي" وقيل من "الأزد"، أما "بنو لام" و"الغسيني" فهما من "طيّ" قولا واحدًا لا لبس فيه، وسمعتُ من الباحث "يعقوب البروانيّ" أنّ قبيلة "المخمري" ينتسبون إلى "طي".

وقد استوطنت قبيلة "الطائيّ" وهي إحدى قبائل "طيّ" الآنف ذكرها في قرية "إحدى" بوادي "الطائيين" ردحا من الزمن، ومن الشعراء والنُسّاخ الطائيين المنتسبين لهذه القرية "ناصر بن سليمان بن ثاني بن صالح بن عبد الله بن ثاني بن صالح بن مسعود بن ثاني بن عرابة الطائي نسبا" - وهو شاعر وجدانيٌّ مطبوعٌ وأكثر شعره في "الحنين" وقد ترجم له "هلال بن سعيد بن عرابة"، صاحب كتاب "جواهر السلوك في مدائح الملوك"، وقد عاش شطرا من عمره في قرية "العليّة" بـ"وادي الطائيين"، ومن مأثور شعره في الحنين قوله:

"بنفسي لقاء دونه ملتقى الردى"

"وطيف خيال من "عُليّة" يبحث"

|||

"أبلُّ به قلبا من الشوق صاديا"

"وغارة جيش الشوق بالصبر تعبثُ"

|||

"إذا ذكروا من أرض علية موضعا"

"فوسواسه في رحب صدري ينفثُ"

أمّا الجدّ الأكبر لأبناء عيسى بن صالح الطائيّ قاضي قُضاة مسقط؛ فهو "الشيخ الرضي العدل عامر بن خلف بن صالح الطائي" وكان يشتغل بالطبّ والمداواة، وقد خرج مهاجرًا من قرية "إحدى" بوادي "الطائيين"، مع ولادة نجم "دولة اليعاربة"، مهاجرا، فكانت قرية "طيوي" في قلب قرية "ميبام" والمجاورة لـ"وادي شاب" أول منزل له، وهي عينها القرية التي مرّ بأرضها الرحالة "ابن بطوطة اللواتيّ" في طريق رحلته إلى الهند وأسماها "طيبي" لكثرة ما رأى من بساتينها، وملاحة طقسها، وتكاثر خيراتها.

لكنَّ المُقام في "طيوي" لم يطب "للشيخ عامر بن خلف بن صالح الطائي"، وهوالغادي خماصا طلبا لسعة في الرزق، وشغوفا بطلب العلم؛ فخرج منها آمنا يتودّد إلى علمائها، ويستقي المعرفة على أيدي أساطينها في "سمائل" وما حولها، ومن بعدها شدّ رِحاله إلى "نزوى" بيضة الإسلام وحوزته، فلمّا ورد عليهم، سألوه: من أين أتيتَ؟ قال: أتيت من "طيويّ"، فقالوا له: إذن أنت "طيوانيّ". فعلقت به وبذريته "النسبة للمكان"، وإنما هو "طائيّ" من "طيّ" الكهلانية القحطانيّة نسبا وصهرا ونطفةً وأرومةً.

ومن الكتب المنسوخة للشيخ عامر بن خلف الطائي، كتاب "كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ" لابن الأجدابيّ الطرابلسيّ؛ وقد ذيَّل الناسخ سالم بن محمد بن عبد الله بن خلف بن سلمان خاتمة الكتاب بعبارة تأريخية جاء فيها: "تمَّ كتاب المختصر في اللغة... وهو للشيخ الرضي العدل عامر بن خلف، وكان تمامه يوم الأربعاء 16 من شهر جمادى الأولى سنة أربعة وعشرين سنة ومائة سنة وألف سنة للهجرة".