في رحاب الكعبة

 

سالم بن نجيم البادي

يممتُ وجهي شطر الكعبة المشرفة هاربًا من ذاتي ولاجئًا إلى الله في بيته الحرام، طافت روحي بالكعبة تسبق جسدي ودموعي، تكلمتْ قبل لساني، وفي حضرة الكعبة أنا شاخصٌ ببصري نحوها، هيبة وشوقًا، والسعادة تغمرني، وشربت من ماء السكينة حتى ارتويت، وسعيت تسوقني الطمأنينة بلطفٍ ولينٍ.

ورغم وجود الأعداد الهائلة من البشر، خُيِّلَ إليَّ أن الملائكة تُزاحم الناس وتنثر بينهم النور والضياء والرحمة، وهم بين راكعٍ وساجدٍ وداعٍ وباكٍ يذرفُ دموع التوبة والرجاء، وأنا جئت أريد أن أرتاح قليلًا من معارك الحياة التي خرجت منها مهزومًا أتجرع مرارة الخيبات المتوالية وأرغب في أن أنال نصيبي من هذا الذي رأيتُ الملائكة توزعه على الناس هنا.

حضرتُ إلى مكة برفقة أخي علي بن سالم البادي، ابن عمتي الحانية، كنّا مثل التوأم لا نكاد نفترق أيام الطفولة والصبا، حتى إذا كبرنا افترقنا في دروب الحياة، هو سلك سبيل الهداية والرشاد وسار عصاميًا يجاهد نفسه حتى غلبها وذاق طعم النجاح وتقلد أعلى المراتب، وتمسك بحبل الدين المتين وهو التقي النقي الورع الذي سخر جل ماله ووقته لخدمة عباد لله الضعفاء، والآن يجلس مرتاحًا وهادئًا في ظل أعماله تلك.

وبقيتُ أنا مهرولًا في طريق التيه والضلال والضياع والشطط وفقدان البوصلة فلا جنيتُ مالًا ولا تقلدتُ المناصب، وغرقتُ في لجّة الأوهام تتقاذفني تيارات فكرية مختلفة، وجرفني طوفان الروايات والقصص والشعر والفن والطرب والفلسفة والمنطق وعلم النفس والقانون، وقد شُغلت بكل ذلك عن التفقه في الدين، وعلاقات عاطفية مضطربة وأشياء أخرى، وفي التزامي الديني رقّة وضعف ومد جزر وتسويف وإهمال، وذلك زادني رهقًا..

أنا هنا مع بيت لله الحرام أهربُ من عالمي الضاج بكل ذلك الهراء، والناس وغثاء وسائل التواصل الاجتماعي ومهام وظيفتي المرهقة ومسوؤلياتي ومشاغلي وذنوبي ونفسي الأمّارة بالسوء.. أفرُّ إلى الله أنشدُ لقلبي السلام، وأدعوه سبحانه وتعالى أن يقبل أوبتي إليه وأن يغفر لي ولكم.. اللهم آمين.