الرضا الوظيفي

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية **

 

تواجه منظمات اليوم تحديات عصرية كبيرة في مجالاتها المختلفة، الأمر الذي فرض عليها السعي الحثيث في البحث عن أفضل الأساليب نجاعةً، وأكثر الأدوات براعةً، في إدارة الموارد البشرية، وتوجيه جهودهم نحو تحقيق الأهداف التنظيمية، بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية التنظيمية؛ إذ يقاس مدى قدرة المنظمة على تحقيق الميزة التنافسية في اقتصاد المعرفة، بمدى قدرتها على الاحتفاظ بكوادرها المجيدة، الذين يعتبرون رأس المال الجوهري، لارتباط ذلك بفعالية الأداء المنظمي ككل.

ويقاس نجاح المنظمة كذلك في تحقيق الفاعلية التنظيمية، باستنادها إلى عدد من المؤشرات المرتبطة بالسلوك التنظيمي السائد في المنظمة، وكذلك الأداء الوظيفي للعاملين فيها. على سبيل المثال: الرضا الوظيفي، ويُلاحظ ذلك في عدة أشكال؛ منها: مستوى الاستغراق الوظيفي، ودرجة الانتماء والولاء التنظيمي، والذي يرتبط بلا شك بالمحصلة النهائية لأداء المنظمة.

لذا يتطلب من إدارة المنظمات، العمل على تأسيس ونشر ثقافة تنظيمية بين العاملين، وإيجاد مناخ تنظيمي جاذب، يُساهم في تحقيق الالتزام الوظيفي لدى العاملين، ويحفزهم على بذل أقصى طاقاتهم لتحقيق الأهداف التنظيمية بكفاءة وجدارة، كما يزيد من ارتباطهم وولائهم تجاه المنظمة، إضافة إلى تزايد مستوى التنافس بينهم في تقديم المبادرات الإبداعية؛ للارتقاء بأداء المنظمة الكلي.

إن وصول المنظمة إلى ذلك المستوى، يُعدّ نتيجة طبيعية لدرجة شعور العاملين بالرضا الوظيفي، الذي يتحقق نتيجة تلبية احتياجاتهم، وتحقيق أهدافهم، ومراعاة رغباتهم، بما ينعكس على أدائهم لأعمالهم بانغماس واستغراق كبيرين، في جو من السعادة والاستقرار النفسي، الذي يشعرهم بالأمان الوظيفي، وبالتالي البقاء في أعمالهم زمنًا طويلًا.

ويأخذ الرضا الوظيفي صورًا ومظاهر، تعتبر مؤشرات على درجة رضا الموظف تجاه عمله والمنظمة التي يعمل بها، ويتم ملاحظتها في سلوكيات وتصرفات العاملين، منها:

  • اندماج الموظف مع زملائه؛ حيث إنَّ انهماك وانغماس الموظف في أداء مهامه، وقوة علاقته بزملاء العمل، وتعاونه الكبير معهم في تحقيق أهداف المنظمة، يُعدّ مؤشرًا قويا على حبه لعمله، وشعوره بالارتياح النفسي وسط زملائه، الذي بلا شك يرتبط ارتباطا وثيقا بدرجة الرضا الوظيفي بشكل عام.
  • زيادة درجة الولاء والانتماء للمنظمة: وينتج ذلك عن حب الموظف لبيئة عمله، وارتباطه به؛ نتيجة تلبيته لرغباته، وتحقيقه لتطلعاته، بالإضافة إلى شعوره بالأمان والاستقرار الوظيفي في وظيفته، ويتكون ذلك تدريجيا مع مرور الأيام، وكنتيجة طبيعية لدرجة الرضا لديه.
  • الصحة النفسية والبدنية للموظف: مما لا شك فيه أن الموظف الذي يتمتع بدرجة رضا عالية، يتمتع بصحة نفسية وبدنية عالية؛ نتيجة شعوره بالراحة والسعادة، والاطمئنان على مستقبله، وبأن العمل فرصة للإبداع والترقي، وتحقيق أهداف العامل الوظيفية والشخصية، فتظهر عليه علامات التفاؤل والإيجابية في سلوكه وأقواله.
  • تقديم المبادرات الإبداعية: إنَّ من علامات الرضا الوظيفي لدى الموظف، سعيه لتقديم الجديد، والمشاركة بأفكاره ومُقترحاته الإبداعية؛ لتحسين بيئة وإجراءات العمل. ولا يحدث ذلك من موظف يشعر بالسخط والغضب اتجاه عمله، أو تجاه المسؤولين القائمين عليه، إنما نتيجة بيئة العمل التي تتسم بالمرونة التنظيمية في إحداث التجديد، والتغيير، والتي تُشعر العاملين بالارتياح والرغبة في المساهمة بمبادراتهم التطويرية.

وبالمقابل.. فإنَّ شعور الموظف بعدم الرضا الوظيفي تجاه عمله، يأخذ الصور المغايرة مما سبق ذكره من مظاهر للرضا الوظيفي. كما يمكن إضافة ما يلي: كثرة التغيب، وكثرة الأخطاء في إنجاز المهام، ووقوع الحوادث بشكل متعمد، وكثرة الاستئذان أثناء ساعات العمل، قلة الإنتاجية، وغياب الإبداع والمبادرات التطويرية، التمرد والتضجر، وظهور الإشاعات، والإساءة بالقول والعمل؛ نتيجة ضعف الولاء للمنظمة التي يعمل بها.

ولتحقيق درجة عالية من الرضا الوظيفي، يمكن للمنظمة العمل بالعديد من الاتجاهات الحديثة في مجال إدارة المنظمات، نستعرض منها الآتي:

  • الصحة التنظيمية، ويعني ذلك أن المنظمة تتسم بخصائص، تساهم في تحقيق الرضا الوظيفي لدى العاملين، وبالتالي شعورهم بالانتماء والولاء للمنظمة، ومن هذه السمات: كأن تتسم إدارتها بالمرونة في تطبيق سياسات وإجراءات العمل، وتسود الثقة بين العاملين والمسؤولين، وشعور العاملين بأنهم محل تقدير، وحرص المنظمة على تدريبهم وتنمية قدراتهم، ومشاركتهم صنع القرارات، وإيجاد شبكة اتصال فعالة بين الإدارة والعاملين. كما تتسم بيئة العمل بأنها آمنة محفزة على الإبداع والتجديد، كما تسود ثقافة العمل بروح الفريق، الذي يشجع العاملين على العمل التعاوني في تحقيق إنجازات ذات جودة.
  • العدالة التنظيمية: وتشير العدالة التنظيمية إلى عدالة الإدارة بين العاملين في توزيع الأعمال والمهام، أو عدالة المحاسبية والدعم والتحفيز، أو العدالة في تقييم الأداء الوظيفي المستند إلى معايير موضوعية، وعدم التحيز في المعاملات الشخصية، وتحقيق مبادئ النزاهة الأخلاقية والمهنية، في كافة التعاملات الوظيفية، مما يجعل العاملين يشعرون بالإنصاف والمساواة، وبما يرفع الروح المعنوية لديهم، وزيادة درجة الولاء لهذه المنظمة، كما يدفعهم لإطلاق طاقاتهم الإبداعية لتحقيق أهدافها، في جو من الشعور بالرضا تجاه سياسة وثقافة المنظمة العادلة، بكل مستوياتها التخطيطية والتنظيمية والتقيميية.
  • الثقافة التنظيمية: إن حرص المنظمة على تأسيس منظومة قيمية، وغرسها لدى العاملين، يساعد على تنظيم أساليب العمل، كما يساعد على تحقيق نوع من الالتزام التنظيمي، نتيجة اتجاهات العاملين الإيجابية نحو سياسة المنظمة، في تسيير أمورها وممارستها لأنشطتها، والتي تتم في إطار من القيم والمعايير المهنية، والتي تنعكس على سلوكيات العاملين التنظيمية، على سبيل المثال لا الحصر: بذل جهود كبيرة، وقضاء أوقات طويلة في إنجاز أعمالهم، واستغلال ساعات العمل في القيام بمهامهم، والحرص على البقاء والاستمرار في وظائفهم، والتعاون مع زملائهم في تحقيق أهداف المنظمة، ويُعدّ ذلك محصلة طبيعية لارتفاع مستوى الرضا الوظيفي لديهم.
  • جودة الحياة الوظيفية:  ترجع أهمية هذا العنصر إلى توفير بيئة عمل تتوافر فيها عوامل الأمن والصحة المهنية، وقلة الصراعات التنظيمية، والعدالة في نظام الأجور والمكافآت، وديقراطية المشاركة في اتخاذ القرارات، بما يمكن العاملين من أداء مهامهم بكفاءة.  كما يوصف المناخ السائد في المنظمة بأنه مناخ يشعر فيه العاملون بالتكيف الاجتماعي، والتوافق النفسي؛ مما يجعلهم يعملون دون الشعور بالإجهاد والتوتر، وبما يضمن أداء أفضل، ورضا وظيفي أكبر. 

ختامًا.. يتحقق الرضا الوظيفي لدى العاملين؛ نتيجة وضوح الأدوار لديهم، وشعورهم بالعدالة التنظيمية، مما يجعلهم ملتزمين بالمشاركة في تحقيق أهداف المنظمة، كما يحدث نتيجة تحقيق التوازن بين تلك الأهداف، وأهدافهم التي يتطلعون إلى تحقيقها. كما أنّ الرضا الوظيفي يتولد نتيجة توفر كافة المتطلبات، التي يشعر معها العاملون بالأمن والأمان، وتحقيق الاستقرار الوظيفي، بما ينعكس إيجابا على مظاهر السلوك الوظيفي لديهم، وهو بطبيعة الحال سيزيد من دافعيتهم للإنجاز، وبالتالي تحقيق الجودة والتميز في أدائهم وأداء المنظمة.

 

** أستاذ الإدارة التربوية المساعد بجامعة نزوى

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة