خالد بن سعد الشنفري
بداية لا بُد لي من كلمة شكر وجب ابداؤها تجاه كل من تعاملت معهم من طواقم مركز القلب بصلالة الذين حللت عليهم ضيفًا حالًا ومقيمًا إقامة كاملة بدون استئذان أو "إحم أو دستور" كما يقول إخواننا المصريون المعروفون بظرافتهم.
جميع هذه الطواقم دون استثناء من طاقم تمريض الجناح الأزرق بمركز القلب بصلالة الذين استضافوني ظهر يوم الخميس 29 سبتمبر في غرفة العناية المتوسطة (غرفة رقم 5 سرير رقم 3) بكل حفاوة يشكرون عليها، ولحد يوم الإثنين 3 أكتوبر، وبعد أن تم إجراء القسطرة الاستكشافية بمعرفة الأطباء ذوي الاختصاص، والتي نتج عنها إجراء قسطرة لشريانين اثنين أحدهما كان مسدوداً بنسبة 80% والآخر بنسبة 70%، ووضع دعامة لكل منهما. بعد ذلك تم تنزيل درجة العناية بي إلى غرفة عادية (غرفة رقم 4 سرير رقم 1)، والحمد لله استطيع الآن أن أكتب مقالي هذا الأسبوع من هنا من غرفتي العادية في المركز، التي لا أحتاج فيها لطلب أي عناية أو رعاية، خصوصًا أن إحساسي أصبح ينبئ بأن المقال لن يخرج عن شكر من قدَّم لي كل هذه العناية والرعاية، في الوقت الذي كنت في أمس الحاجة إليها.
لأول مرة فعلاً أرى هنا ممارسات فعلية لملائكة الرحمة من البشر، تتجسد أمامي في هذا المركز، والغريب أنني اكتشفت أن كل ذلك يحدث منهم مع ما يتحملونه من مشقة مضاعفة لعدم كفاية الطواقم المتاحة، وما يمتلكون من خبرات علمية وعملية، وقدرة فائقة على التعامل مع هذه الأنواع الحساسة من الأمراض، التي تتعلق بقلب الإنسان مباشرة. لم يمنعهم من ذلك قلة المرتب- وخاصة الجُدد منهم- ولا استقالات زملائهم المتكررة؛ بحثًا عن فرص عمل أفضل، وخصوصًا من بعض الجنسيات غير العمانية، بعد أن يرتبوا لأنفسهم أثناء تواجدهم للعمل في عُمان بمرتبات أقوى ومزايا أفضل كما يزعمون، وكما يتردد بينهم أن الوظيفة في عمان مُجرد جسر عبور يحصلون عن طريقه فرصة لعمل أفضل في الدول المجاورة أو أوروبا بمرتبات ومزايا أعلى.
وأودُ هنا تسليط الضوء على تاريخ إنشاء هذا المركز، ففي منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة، انتعش الأمل والرجاء لمرضى القلب عمومًا من أبناء محافظة ظفار بافتتاح مركز أمراض القلب بصلالة عام 2015، وكان فيه العوض بموقعه الجميل أولا بالقرب من مستشفى السلطان قابوس بصلالة على رقعة من الأرض تبلغ مساحتها (16444) مترًا مربعًا؛ بتكلفة 24 مليون ريال، مشتملًا على معظم التجهيزات اللازمة. وكان يعتمد في البداية على الأطباء الزائرين من مركزي القلب بالعاصمة مسقط لإجراء عملية القسطرة الاستكشافية، ومن ثم جراحة القلب، وما هي إلا فترة زمنية حتى أصبح مركز صلالة، يُنفّذ كافة عمليات القسطرة الاستكشافية هنا في مركزهم بصلالة. واستغنوا بذلك عن الطبيب الزائر من مسقط. ثم وبعد فترة ليست بالبعيدة اتجهوا للبدء في إجراء العمليات الجراحية للقلب بالكامل، دون الاستعانة بخبرات مراكز مسقط، وقد أوقفوا- والحمدلله- تجنيب مرضى القلب تحمل معاناة السفر إلى مسقط ومعاناته المعروفة والخطيرة جدًا للعشرات من المواطنين والمقيمين، بالمجازفة للسفر إلى مسقط وهم مصابون بأمراض القلب.
كان قدري هذه المرة أن تكون وجهة علاجي إلى هناك ولأول مرة في هذا المركز الذي كنت أراه دائمًا من الخارج ولم أدخله يومًا، فبعد أن تمَّ نقلي سريعًا بإسعاف مركز السعادة الصحي برفقة الطبيب والممرضة وسائق الإسعاف، بعد تعرضي لنوبة ألم شديدة في الجانب الأيسر من الصدر خُشي معها من الجلطة، تم ذلك في منتهى السرعة والمهنية من قبل مركز صحي السعادة إلى طوارئ مستشفى السلطان قابوس؛ لوجود أجهزة تشخيص أوسع وأكثر تطورًا هناك كما أبلغوني. ولم يكن يقلقني طوال الرحلة إلا بوق سيارة الإسعاف، الذي لم يتوقف طول الطريق؛ مما أزعجني فعلًا أكثر من فائدته في تنبيه السيارات في شارع غير مزدحم أصلًا وفي الساعة 11 صباحًا، وكنت أتمنى الاكتفاء بإنارات التنبيه الكثيرة في سيارة الإسعاف أو استعمال هذه الصافرة في أضيق الأوقات التى يحتاجها السائق.
قام طاقم الطوارئ بمستشفى السلطان قابوس بالاستجابة السريعة نظرًا لأني ضيف وافد من بعيد ومن مؤسسة طبية شقيقة، وقرروا سريعًا تحويلي إلى مركز القلب، إلّا أنهم اضطروا مرة أخرى ليحملوني على إسعاف الطوارئ إلى مركز القلب، وهنا خطر بذهني سؤال نتيجة لهذا الألم الذي ما زال يعتصرني، ألم يكن من الأنسب كوننا في إطار خدمات وزارة صحة واحدة أن يكون نقل أي مريض بالقلب مباشرة إلى المركز، وتجنيبه هذه اللفة الطويلة من المركز الصحي إلى طوارئ مستشفى السلطان قابوس، ثم إلى مركز القلب؛ ففي ذلك راحة وتقليل وقت وجهد ومال للجميع وراحة نفسية للمريض؛ لشعوره بأنه بين أهل اختصاص أصيل بالقلب.
جل ما ابتغي من هذا المقال هو تقديم شهادة شكر وعرفان لطواقم مركز القلب بصلالة الذين حللت عليهم ضيفًا مُرَحَبًا به بحفاوة لمدة 3 أيام، رغم أن لا أحدَ من موظفيه أو طواقمه يعرفني أو أعرفه من قبل. فما هي إلّا دقائق معدودة حتى انهالت ملائكة الرحمة بالمركز على سرير طوارئ مستشفى السلطان قابوس، الذي حُملت عليه للمرة الثانية إلى المركز الذي انتشلتني ملائكته منه انتشالًا؛ ليضعوني على سريرهم، وبدون تريث بدأوا في التعامل مع حالتي بناءً على ما حصلوا عليه من تقارير، وما قاموا به هم فورًا من إجراء الفحوصات اللازمة، وبدأ الاختصاصيون في أمراض القلب في التوافد على سريري، والتعامل معي وتوجيه طاقم التمريض المتمكن بدوره من عمله، وشخّصوا الحالة سريعًا بأجهزة تخطيط القلب المتطورة جدًا؛ بما فيها "الإيكو" الموجود في غرفة تنويمي بالأساس، وسيّلوا الجلطة وخفّضوا ضغطي من 193 إلى 150، في فترة قياسية، ونقلوني مباشرة إلى غرفة جهاز القسطرة الاستكشافية، وأنا أرى كل ذلك بأم عيني، وبعد دقائق لم تتجاوز العشرين، هنأوني وأبلغوني أنه كان لديي شريانين مغلقين، والحمد لله أصبح هذان الشريانان يعملان بكفاءة عالية.
شكرًا لكم جميعًا طاقم مركز القلب بصلالة باستشارييه واختصاصييه وطاقمه التمريضي الرائع الذي تجده حولك طوال كل دقيقة وساعة، وكل الشكر لمن وفّر هذا الانضباط الصارم والهدوء في أروقته؛ الاستشاري الأول الدكتور سعيد بن مسلم المعشني، المايسترو الذي يقود هذه الأوركسترا الطبية في كل قسم وركن وشعبة، والأمل معقود عليه لينتزع للمركز صلاحيات وموارد أكثر، فقد حزنتُ عند معرفتي بأن هذا الجناح الذي نزلت فيه كان يضم طاقمًا تمريضيًا عند افتتاحه في 2015 بعدد 35 ممرضًا ومرضة، ولم يتبقَ منهم اليوم إلا 23، مع تضاعف مهام عملهم عشرات المرات عن تلك الفترة.
وهنا أنقل بعض المقترحات التي تمثل حاجة فعلية لهذا المركز كي يقوم بدوره كاملًا، ومنها زيادة أعداد طواقم التمريض سريعًا، وتوفير بنك دم خاص بالمركز لكي لا يبقى معلقًا تحت رحمة بنك الدم الرئيسي وهو لديه حالاته الخاصة التي تتطلب الدم فورًا، وإقامة مركز طوارئ صغير لاستقبال حالات القلب أو المشتبه فيها، بدلًا من إرسالها أولا إلى طوارئ مستشفى السلطان قابوس، واستبدال فرش الأسرة التي يقال إنها لم تستبدل منذ افتتاحه. وكون الطلب على الغرف الخاصة كبير والإيجار مربح، فلم لا تتم إضافة غرف إلى الأجنحة الحالية أو حتى في الدور الثاني على السطح، إضافه للغرف الستة الموجودة حاليًا والاستفاده من ذلك ماديًا، وأخيرًا ربط المركز بنفق أرضي أو جسر علوي بالمستشفى الجديد طور الإنشاء، خصوصًا أنه لم يعد تفصل بينهما سوى امتار معدودات، ونظرًا لارتباطهما الوثيق ببعض.