الأمر يعود إليك!

 

منى بنت حمد البلوشية

تبادر إلى مخيلتي سؤال: هل الإبداع يأخذ عطلة؟ فأتت الإجابة محلقة بأنَّ الإبداع لا يأخذ عطلة لا يومًا  ولا ساعة. وهذا ما أشاهده في حالة الكثيرين اللامتناهية والذي اعتادوا على أن يفكروا ويخرجوا عن المألوف وخارج الصندوق، فالعقل الذي يعمل يوميًا لا يمكنه أن يأخذ استراحة فأيامه كلها عمل في عمل ومن فكرة إلى فكرة متنقلا حتى يُرضي ذاته التي اعتادت على ذلك.

هكذا نجد الكثير من البشر في صمت مُحير وعزلة عن العالم الخارجي إلا أنَّ عقولهم تحاول ألا تتوقف وألا تستسلم من فكرة تحوم عليها، فالإبداع صفة وملكة يعطيها الله لمن يستحقها ويجتهد من أجل أفكاره دون أن يجد هناك عذراً يُثنيه عن مطلبه حتى يُحققه.

إن المبدعين الناجحين يعملون تحت أي ظرف كان وكيفما كانت أحوالهم، لا ينتظرون ظروفا مثالية تأتيهم والتي ربما لا تأتي من الأساس، فالعمل المثالي وحتى المزاج المناسب هي أشياء تعتبر من ضرب الخيال لا تأتي هكذا بسهولة ولن تكون لها أيام وأوقات محددة.

دائمًا ما يجد الكثيرون أنفسهم يفتشون عن فكرة ليطورها لعلها تصبح واقعا، وما بين فكرة وأخرى يجدونها ويقتنصونها قبل أن تهرب، الحياة لا تتوقف مادامت الكرة الأرضية تدور وبعقولنا نحاول أن نجد ما يناسب عقلياتنا ونشغلها بما في هذا الكون الشاسع لتخرج للبشرية وكل منِّا يضع بصمته الخاصة به من على ذلك التفكير الذي يعمل عليه.

فعندما كان هنري ماتيس في السبعين من عمره، وأثناء صراعه مع الشيخوخة، أصيب بمرض خطير وتحمّل عناء العمليات الجراحية، ومع استرداده لعافيته في فرنسا، قام بإنتاج أعمال فنية كثيرة ومذهلة منتصرا على مرضه، هكذا هو الإبداع لا يأخذ راحة ولا عطلة أبدا.

وكذلك ماتيس استعان بممرضة قامت على رعايته، فكانت تعمل على سَندْه ووضع الوسائد له لتمكنه من التنفس بشكل سليم، كان صعبًا عليه كرسام أن يزاول الرسم وهو مستلقٍ على السرير، فقام بتحويل فن الكولاج الذي كان فنا جديدا بالنسبة إليه، فبدأ بقص قطع كبيرة من الورق وإعادة لصقها، وكانت الممرضة تساعده في حمل اللوحات ليتمكن من رؤية ما يصنع. هكذا هو لم يدع شيئا يحول بينه وبين إبداعه وألا يتعذر بمرضه بل واصل إبداعه، فكم من مبصر قلب وعين لا تبصر فاقت المبصرين ولم يُثنها عائق.

بإمكان أي شخص كان ألا يجعل من الظروف عائقا له، وألا يتذرع بحجج واهية كالتعب والصداع أو أنه بحاجة للراحة والهدوء وألا يدع شيئا يحول بينه وبين إبداعه أينما وكيفما كانت حالته فالإبداع لا يأخذ راحة أبدا وكل الأمر يعود إليك وأنت من يقرر أن تكون مبدعا في العمل الذي تكون فيه شغوفا وتحول أفكارك لواقع، متناسيا كل الظروف والتحديات التي رافقتك وما زالت ترافقك.

جدد أفكارك وغيرها، فإن فشلت تلك فلك الأخرى ولك المخرج، فقط اكتشف طاقاتك المكنونة ولا تخجل أن تخرجها للملأ فرُب فكرة هي نجمة ساطعة في السماء وأنت لا تعلم، وأعلم بأنَّ هناك الكثيرون ممن يبدعون ويخفون إبداعاتهم خوفا من أن ينتقدها الأخرون كونوا على ثقة بأنكم تُخفون كنوزا خلف أفواهكم عليكم أن تُخرجوها فلا تئدوها وتدفنوها، فثمة إبداعات رحلت مع أصحابها ولم تجد النور؛ فالنور أنتم وما بين أيديكم وإبداعاتكم، والأمر يعود إليكم.. فالإبداع لا يتوقف ولا يأخذ عطلة أبدًا!

تعليق عبر الفيس بوك