غيّروا.. ففي التغيير الخير الكثير!

 

حمد بن سالم العلوي

 

ما زالت منظومة التعليم في عُمان تُعاني من تحدياتٍ عدة، وعلى رأسها التقليد المُتكرر؛ فالتعليم وسيلة مثالية لإشغال الأطفال عن الجلوس في المنازل، فإذا جئنا لمُقارنته بالمكاسب العلمية والفكرية، فهي دون المأمول، وثمَّة إشكاليات تواجه المناهج التعليمية والدراسية الآن، ولذلك نتساءل: هل الوضع الحالي سيرقى بعُمان إلى طموحات الرؤية المستقبلية 2040، فمناهجنا تعاني من زيادة معدلات الكم، بينما نحتاج إلى الكيف لا الكم.

قرأتُ مقالة نُشرت في عام 2018 بجريدة الرؤية، للدكتور صالح الفهدي، بعنوان "خلِّصونا من الجراثيم" وقد فنّد عالم فلندي هذه الجراثيم في ست نقاط، وأراح بلده فنلندا من التعليم العقيم، وكنت قد تمنيت على حكومتنا الرشيدة- يوم قرأت تلك المقالة- أن تختار مجموعة من المبدعين العُمانيين- وهم كثر- فتقوم بتكليفهم بوضع مناهج تغيّر مسار التعليم تغييرًا جذريًا، وتُعطى لهذه المجموعة أو الفريق الحرية الكاملة في اختيار المساعدين لهم للقيام بهذه المهمة، وهي ليست بالصعبة عند وجود الإرادة والعزيمة، خاصة وأن هناك دول سبقتنا بالتجربة، ولكن حذاري من إعطاء المهمة لغير العُمانيين، لأنهم سيشبعون الموضوع مطًا وتسويفًا، وفي آخر المطاف سيُقال إنَّ العُمانيين يرفضون التغيير.

الطريق الذي يسير عليه التعليم حاليًا، يمرُ بطريق دائري، ليس له بداية ولا تعرف له نهاية، خاصة عندما ندرك أن كل المناهج التي توكل لخبراء من خارج الوطن، سيكون مصيرها الفشل بكل معانيه، و"لن يحك جلدك مثل ظفرك" كما يقول المثل، فإذا أردنا تعليمًا حقيقيًا، فلا بُد من منح الثقة للإنسان العُماني بدايةً، وأنا أعرف تجاربا نجحت، وقام بها عُمانيون مجتهدون، وأبدعوا عندما كُلفوا بمسؤوليات كبيرة، كان يظُن بعض المسؤولين أنها ستفشل، وحصل عكس توقعهم وكان النجاح باهرًا في تلك المهمة.

ما أروع العُماني عندما يُعطى مهمة تنطوي على تحدٍّ، وهو لا شك على مستوى هذا التحدي، وقد أُنيط به ذلك العمل لأنه جدير به، وليس لأنه ابن فلان، ويكون له منصب وسلطة، فكلما توسمتم خيرًا في إنسان عُماني ما، جربوه بالعمل الجاد، وراقبوه وقيّموه باستمرار، ولكن لا تعلّموه العمل، وإنما أعطوه الأهداف العريضة، واطلبوا منه أن يشرح لكم مسار تنفيذ الخطة، ثم اتركوه يكمل عمله، هذا إن أقنعكم عرضه للتنفيذ.

والذي نراه في واقع الحال، أننا لا نبذل الجهود لكسب المستقبل، نتيجة لتراجع مستويات التعليم، ولا نعطي الاهتمام الحقيقي بالمعلمين والمعلمات، يُضاف إلى ذلك الرواتب ضعيفة، لذا نجد منهم من يقوم بأعمال أخرى إضافية بعد الدوام كي يسد احتياجاته، وهذا أمر يُضعف من هيبة المعلم. علاوة على أنَّ الإمكانيات المخصصة محدودة في كثير من المدارس، ويتم اختيار المعلمين والمعلمات على اعتبار أنه "الملاذ الأخير" للباحثين عن عمل، فيتم اختيارهم من بين الأشخاص الذين لم تستوعبهم الدوائر الحكومية الأخرى! بمعنى أوضح أن هؤلاء هم الذين لم يجدوا عملًا أفضل من مهنة التدريس. نقول هذا بأسف ومرارة، لكنها الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، حتى إن عددا من الطلبة صاروا ينفرون من المدارس الحكومية، ويفضلون الذهاب إلى المدارس الخاصة؛ الأمر الذي أنعش المدارس الخاصة، ليس لأنها تقدم التعليم الأفضل؛ بل لأنَّ الاهتمام يختلف فيها.. أما المناهج فهي ذاتها دون تغيير، ولكن فنون التجارة هو الفارق!

فإلى جانب عدد كبير من التحديات التي لا تساعد على جذب الطالب للذهاب إلى المدرسة بكل شغف وحماس، لم يستطع المعلمون تنسيق العمل الجاذب للطلبة فيما بينهم.

 

إذن.. إننا نطالب بإحياء مهنة "التربية والتعليم" ولا نقول بمستوى التربية والتعليم الذي كان عليه واقع الحال أيام المدارس السعيدية، يوم كان التعليم من القلب إلى القلب؛ بل نُريده أن يكون على أعلى المستويات العالمية، ونريده تعليمًا علميًا خالصًا، ونريده تعليمًا بالقدوة الحسنة في جانبه التربوي، وإلا سنظل نجلس على دكة الانتظار، إلى ما شاء الله لنا أن ننتظر، وبذلك لن نتقدم؛ بل سنظل نتراجع.