الغبَّة السوداء وولادة الشر

 

وليد بن سيف الزيدي

لفظ "الغبَّة" يحملُ في هذا المقال المعنى الدارج في مجتمعنا العُماني وهو تلك البقعة من الماء التي تجمعت على سطح منخفض من الأرض مقارنة بما يجاوره، وذلك بعد سقوط الأمطار وجريان الأودية، وربما قد يكون له معنى آخر غير المعنى المراد هنا.

تعود مناسبة هذا اللفظ في ذاكرة من يرويه إلى تسعينيات القرن الماضي وهو في المرحلة الابتدائية من التعليم المدرسي، وذلك بعد أن وجه مدرس المادة تساؤلًا إلى طلابه قائلًا: هل تعرفون سبب توجه أنظار الطامعين إلى منطقتنا الخليجية وتنافسهم في أحقية السبق إليها؟ ثم بعد لحظة صمت. أجاب: إنه بسبب وجود الغبَّة السوداء في منطقتنا، وكان يقصد بذلك وجود النفط في منطقة الخليج العربي.

إنَّ الفكرة المراد إيصالها إليك- أخي القارئ- هي الفكرة القائمة على الأسباب والآثار الناتجة من الصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والفكرية والقيمية بين الدول والشعوب والمنظمات والمؤسسات والأحزاب والأفراد والمجتمعات. والتي قد يكون من أسباب تلك الصراعات هي الغبَّة السوداء والتي قد تأتي بمعنى النفط والغاز تارة، وتارة أخرى قد تأتي بمعنى المناصب والكراسي، وتارة ثالثة تأتي بمعنى المال والسلطة. فمثلًا ما أسباب الصراع بين البرتغاليين والعمانيين في عصر النباهنة واليعاربة؟ أليس بسبب الغبة السوداء (الموانئ التجارية المطلة على المحيط الهندي)؟ وما أسباب الصراع في حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية؟ أليس بسبب الغبّة السوداء (النفط)؟ وما أسباب الصراع الحالي بين الأمريكان والغرب من جهة والروس من جهة أخرى؟ أليس بسبب الغبّة السوداء (السلطة والهيمنة)؟ وما أسباب الصراع بين الأفراد داخل المؤسسات الرسمية؟ أليس بسبب الغبّة السوداء (المناصب والكراسي)؟ وما أسباب الصراع في نقل الخبر بين المشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي؟ أليس بسبب الغبّة السوداء (الشهرة والمال)؟ وما أسباب الصراع بين أفراد الأسرة الواحدة بعد موت والدهم؟ أليس بسبب الغبّة السوداء (الميراث)؟ ثم ما الأثر المترتب على تلك الصراعات مع اختلاف أسبابها؟ ألا يمكن أن يكون أثر تلك الصراعات هو ولادة الشر في قلوب وعقول أصحابها كما هو حاصل الآن عند بعض الشعوب وخاصة الأوروبية منها بسبب قلة موارد الطاقة وارتفاع أسعارها؟ وبعد أن يولد الشر هل يمكن معالجته؟ وكيف؟ أليس لقوة الإيمان في نفس المؤمن والرجوع إلى الكتاب والسنة والأخذ بمشورة الصادقين من الأخيار ثم البُعد عن مَنْ تسبب في ولادة ذلك الشر هي من أسباب ذلك العلاج؟ ماذا عن غير المسلمين من حيث الأسس والمبادئ والمصادر التي يُعتمد عليها في معالجة الشر بعد أن يولد بسبب تلك الصراعات؟

نعم.. ثم ما الفكرة الأخرى التي يمكن أن نأخذ بها من هذا الموضوع؟

ألم يكن لاستخدام المُدرّس مع طلابه رمز الغبّة السوداء في التعبير عن النفط دلالة عالية على بقاء أثر التعليم في نفوس طلابه لفترة زمنية أطول. هل يمكن الأخذ في قادم الزمن بمبدأ الترميز في بعض المواقف التعليمية في المدارس والجامعات لضمان بقاء أثر التعليم لفترة زمنية أطول؟

والله الموفق.

تعليق عبر الفيس بوك