حرّك العداد وادفع!

 

علي بن سالم الراشدي **

 

كان المكتب، الذي يشغل محلًا واحدًا بمجمع تجاري معروف، مزدحمًا بالمُراجعين رجالًا ونساءً، بعضهم اقتنص فرصة الحصول على مقعد داخل المحل، فيما ظل الآخرون وقوفًا في انتظار طويل لدورهم، وأصدقكم القول أني أتشاءم من هذه الطوابير والتي اختفت من معظم دول العالم، لكن ظلت معنا انتظارًا لحلولٍ متوفرة وبسيطة وتنهي الأمر بضغطة زر!

عمومًا أكاد أجزم أن مشكلة الجميع هي نفس مشكلتي وهي الفواتير التقديرية الشهرية للماء والتي تسبب صداعًا مزمنًا لم ينتهِ.

التقيت بأحد الموظفين وشرحت له مشكلتي وهي إصدار فواتير مياه لحسابات غير مستخدمة؛ لعدم وجود ساكنين وبعضها مغلق منذ شهور طويلة. وتساءلت: على أي سند قانوني يتم إصدار هذه الفواتير لتكون النهاية قطع الخدمة مُقابل حساب وهمي؟ لتكون إجابته غريبة ولم أستطع استيعابها، وهي أن أقوم بتحريك العداد حتى أحصل على قراءة حقيقية، وهو ما يعني ببساطة أن أفتح حنفيات المنزل لتهدر في مجاري الصرف الصحي، على أن تكون هذه العملية مستمرة شهريًا حتى يسعفنا القدر بوجود ساكن يوقف هذا الهدر.

حاولت أن أقنع الموظف أن هذا الأمر فيه هدر لنعمة يموت الناس بسببها للحصول عليها، فرد أن هذا هو النظام المتبع لديهم، فإما قراءة تقديرية تنتهي بقطع الخدمة بعد مدة محددة أو تحريك العداد للحصول على فاتورة حقيقية!

خرجت من الصالة بعد أن تأكد لي أن لا فائدة من الجدال؛ فالأمر محسوم ومتبع لديهم، وهو أمر غريب يناقض كل مبادئ الشفافية والحوكمة التي يتغنى بها الجميع. فيا قوم من حق كل مستهلك فاتورة شهرية حقيقة كما إنَّ من حق الشركة أن تقطع الخدمة عن المستهلك إذا تأخر عن سداد فاتورة الخدمة وتلزمه بدفع مبلغ لإعادة الخدمة.

أتساءل على أي سند قانوني استندت الشركة لابتداع هذا النظام "القارقوشي" العجيب؟! وأين مبادئ الحوكمة والشفافية وأهداف رؤية "عمان 2040" عن هذا التسلط الغريب؟! وأين هيئة تنظيم الخدمات العامة المنوط بها حفظ حقوق المستهلكين؟ وأين المؤتمرات والتنظير والجودة والانتقال الإلكتروني؟

تأسفت للوقت الذي يمضيه المراجعون استجداءً لحق أصيل لهم، وتذكرت آخرين يحصلون على فواتيرهم الحقيقة شهريًا بواسطة رسالة نصية؛ فهناك عشرات الحلول التقنية تستطيع الشركة توظيفها، وهناك جيش من الباحثين عن عمل يمكن الاستفادة منهم!

ختامًا.. أخاطب هيئة تنظيم الخدمات العامة وأقول لها هذه مسؤوليتكم وبقاء هذا الوضع في القرن الواحد والعشرين مدعاة للسخرية، فإذا لم يكن هناك تقدير للمراجع، فعلى الأقل تقدير نعمة الماء التي يجب أن تساهم الهيئة في الحفاظ عليها.

** كاتب وصحفي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة