صبحي مجاهد **
"التريند" مصطلح ارتبط بوسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، وأصبح مثار اهتمام المُستخدمين لتلك الوسائل، ولم يكن مُستغربًا أن يسعى عدد ليس بالقليل وراء التريند على السوشيال ميديا؛ تحقيقًا لأرباح وشهرة لا مثيل لها، فلم يكن أحد يتصور أن شابًا أو فتاةً أو فنانًا مغمورًا أصبح مشهورًا بسبب مقطع فيديو تحوّل إلى "تريند" على السوشيال ميديا.
وقد يرى كثير من النَّاس أن هذا الأمر عاديٌ مع تطور وسائل التواصل عبر الإنترنت، واتساع المستخدمين لها، إلّا أن هوس" التريند" بات خطرًا كبيرًا مع تحوله إلى استخدام أحكام الدين، وهو ما عُرف مؤخرًا بفتاوى التريند.. والأخطر أنَّ تلك الفتاوى بعضها لا يكون صحيحًا، والغرض الوحيد منها هو جذب جمهور السوشيال ميديا، لتطفو على السطح موضوعات وقضايا تهدد مجتمعات بأكلمها. وأصبح مصطلح " فتاوى التريند" ظاهرة أخرى جديدة، بما تحمله من سلبيات، على بيوتنا وعقول شبابنا وفتياتنا؛ بل وتُفسد على البعض حياته داخل أسرته، فتقحم الدين في تصرفات ما أنزل الله بها من سلطان، وتجعله جزءًا من حياتنا.
خطورة "فتاوى التريند" عبر عنها أحد تقارير المؤشر العالمي للفتوى بأنَّ أكثر من (٪90) من موضوعات وفتاوى (التريندات) تهدف الآن إلى احتلال العقول بدلًا من الأراضي دون جيوش أو عتاد، كما إنها تعد بمثابة حروب بالوكالة.
وكان أخطر ما تداولته فتاوى التريند مؤخرا الحديث عن أجر الزوجة في بيتها والأجر على إرضاعها أبنائها، وفتوى عن جواز ضرب الزوج، فما إن انطلقت فتوى أجر الزوجة حتى ظهرت أحاديث إعلامية متُعددة وسِجال عبر الإنترنت أصبح فيه الأزهر بعلمائه طرفًا للرد والتوضيح، والغريب أنَّ الحركة النسوية في مصر انساقت وراء هذه الدعوة، دون مراعاة لظروف الحياة الاجتماعية، ودون الانتباه إلى خطورة ذلك على الأسر، خاصة تلك التي تعاني فيها المرأة من قسوة الحياة.
ولقد عبَّر عن خطورة تلك الفتوى أحد علماء الأزهر وهو الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق من خلال صفحته على "فيسبوك" بقوله: "إنَّ المرأة راعية مسؤولة وليست ضيفة شرف، وأن الأسرة التي هي صمّام أمان المُجتمع تتعرض لحملة شرسة من الدعوة للتفكيك عبر آلية التأليب والتحريض للنساء على أزواجهن وأطفالهن، مستخدمة جملة من الأكاذيب لا علاقة لها بشرعنا الحنيف، وأحدث هذه الافتراءات تصوير المرأة على أنَّها خالية من أي مسؤولية، فهي في بيتها غير ملزمة بشيء".
بينما تصدى الأزهر بقوة لقضية إعطاء الزوجة أجرة على خدمتها لبيتها، لافتًا إلى أنَّ أُمومة المرأة وزوجيتها، ورعايتها بيتها، وتخريجها أجيالًا صالحة للمجتمع رسالة عظيمة، وادعاء دونية هذه الأدوار طرح كريه؛ يُقصد به تخلي المرأة عن أهم أدوارها وتفكك أسرتها، وأنه لا يليق بقدسيّة الزّواج ومكانة الزّوجة فيه أن تُعامَل معاملة الأجير في أسرتها، بأن تُفرَض لها أجرة مُحددة نظير أعمال رعاية أولادها وزوجها.
ومع طرح فتوى التريند الجديدة حول "جواز ضرب الزوجة لزوجها وتأديبه" والتي نسبت للدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر كان هناك كشف جديد لخطورة "هوس التريند" بنشر فتاوى مكذوبة لم تطلق من الأساس، ففي حديث بيني وبين د. سعاد صالح عقب انتشار تلك الفتوى أكدت أنَّها لم تقل تلك الفتوى وأن هناك محاولات متعددة لنشر فتاوى لا أساس لها؛ بل إنها ترى أن تقديس دور الزوج هو من صميم الدين، وأنها كانت في حياتها الخاصة تُقدس مكانة زوجها.
وبمتابعة بسيطة لـ"فتاوى التريند" سنجد أنفسنا أمام كم كبير من الفتاوى تخلق نوعًا من الشطط الفكري لفهم أحكام الدين، وتضع الأشخاص العاديين في حيرة من أمرهم، وأصبح لزامًا على المؤسسات الدينية في عالمنا العربي والإسلامي، وفي المقدمة الأزهر الشريف، الاهتمام بالتواجد الفعَّال عبر السوشيال ميديا بصورة فاعلة أكثر أهمية من ذي قبل، في ظل تواصل عالمي مفتوح، وسرعة التداول، وتعلق فئات عديدة داخل مجتمعاتنا بالتقنيات الحديثة.
إنَّ ترك المجال لمثل تلك الفتاوى على السوشيال ميديا لتحقيق "تريند" ومكاسب مادية دون أن يكون هناك رادع لمن يتعمد نشرها ليفسد على النَّاس حياتهم، سيؤدي إلى انهيار أخلاقي ومجتمعي في ظل اللاوعي الديني الكامل بحقيقة أحكام الشرع.
** صحفي مصري وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر